كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)

صفحة رقم 436
قوله : ( فزيلنا ) أي أزلنا إزالة كثيرة مفرقة ما كان ) بينهم ( في الدنيا من الوصلة والألفة حتى صارت عداوة ونفرة فقال الكفار : ربنا هؤلاء الذين اضلونا ، وكنا ندعو من دونك ) وقال شركاؤهم ( لهم مبترئين منهم بما خلق لهم سبحانه من النطق ) ما كنتم ( اي أيها المشركون ، وأضاف الشركاء إليهم لأنهم هم الذين نصبوهم بغير أمر ولا دليل ولأنهم جعلوا لهم نصيباً من أموالهم ) إيانا تعبدون ( اي تخصوننا بالعبادة لأنل لا نستحق ذلك إشارة لى أنه لا يعبد إلاّ من يستحق الإخلاص في ذلك بأن يعبد وحده من غير شريك ، ومن لا يستحق ذلك لا يستحق مطلق العبادة ولا يصلح لها ، وكل عبادة فيها شرك لا تعد اصلاً ولا يرضى بها جماد لو نطق ، فمتى نفى المقيد بالخلوص نفي المطلق لأنه لا اعتداد به أصلاً ، ومن المعلوم أن ما كان بهذه الصفة لا يقدم عليه أحد ، فنحن نظن أنه لم يعبدنا عابد فضلاً عن أن يخصنا بذلك ، والشخص يجوز له أن ينفي ما يظن نفيه ونحن لم نعلم شيئاً من ذلك .
ولما نفوا ذلك عطفوا عليه مسببين عنه قولهم : ( فكفى بالله ( اي المحيط علماً وقدرة ) شهيداً ( اي هو يكفينا كفاية عظيمة جداً من جهة الشهادة التي لا غيبة فيه بوجه ولا ميل اصلاً ) بيننا وبينكم ( في ذلك يشهد لنا وعلينا ؛ ثم استأنفوا خبراً يصحح نفيهم فقالوا مؤكدين لأنهم كانوا يعتقدون علمهم : ( إن ( اي إنا ) كنا ) أي كوناً هو جبلة لنا ) عن عبادتكم ( لنا أو لغيرنا مخلصة أو مشوبة ؛ ولما كانت ( إن ) هي المخففة من الثقيلة تلقيت باللام الفارقة بينها وبين النافية فقيل : ( الغافلين ( لنه لا أرواح فينا ، فلم تكن بحيث نأمر بالعبادة ولانرضاها فاللوم عليكم دوننا ، وذلك افتداء من موقف الذل أو انهم لما تخيلوا في الشركاء صفات لا وجود لها في الأعيان ، وأيضاً فإنهم ما عبدوا إلاّ الشياطين التي كانت تزين لهم ذلك وتغويهم ، ويكون التقدير على ما دل عليه السياق : ( فزيلنا بينهم ) أي منعناهم مما كانونا فيه من التواصل والتواد لمقتضي للتناصر بعبادة الأوثان ، فقال المشركون لشركائهم لما أبطأ عنهم نصرهم : إنا كنا نعبدكم من دون الله فأغنوا عنا كما كنا نذب عنكم وننصر دينكم ) وقال شركاؤهم كا كنتم إيانا تعبدون ( اي كُشِف لنا اليوم بتفهيم الله أنه ليس الأمر كما زعمتم وأنكم لم تخصونا بالعبادة حتى يلزمنا منعكم على أنكم لو خصصتمونا ما قدرنا على ذلك قال الشيطان
77 ( ) ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي ( ) 7
[ إبراهيم : 22 ] ) فكفى ( اي فتسبب عن نفينا لذلك على ما كشف لنا من العلم ان نقول : كفى ) بالله شهيداً بيننا وبينكم ( في ذلك ، يشهد أنكم لم تختصوا أحداً منه ومنا بعبادة بل كنتم مذبذبين ، وهذا كله إشارة إلى أن العبادة

الصفحة 436