كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)
صفحة رقم 441
أي كيف ومن اي جهة تصرفون بأقبح الكذب عن وجه الصواب من صارف ما ، وقد استنارت جميع الجهات ، ورتب هذه الجمل أحسن ترتيب ، وذلك أنه سألهم أولاً عن سبب دوام حياتهم وكمالها بالرزق والسمع والبصر وعن دء الخلق في إخراج الحي من الميت وما بعده ، وكل ذلك تنبيهاً على النظر في احوال أنفسهم مرتباً على الأوضح فالأوضح ، فلما اعترفوا به كله اعاد السؤال عن بدء الخلق ليقرن به الإعادة تنبيهاً على أنهما بالنسبة إلى قدرته على حد سواء ، فلما فرغ مما يتعلق بأحوال الجسد امره ان يسألهم عن غاية ذلك ، والمقصود منه من أحوال الروح في الهداية التي في سبب السعادة إمعاناً في الاستدلال بالمصنوع على الصانع على وجه مشير إلى التفصيل فقال : ( قل ) أي يا أفهم العباد وأعرفهم بالمعبود ) هل من شركائكم ) أي الذين زعمتم أنهم شركاء لله ، فلم تكن شركتهم إلا لكم لأنكم جعلتم لهم حظاً من أموالكم وأولادكم ) من يهدي ) أي بالبيان أو التوفيق ولو بعد حين ) إلى الحق ( فضلاً عن أن يهدي للحق على أقرب نما يكون من الوجود إعلاماً .
ولما كانوا جاهلين بالجواب الحق في ذلك أو معاندين ، أمره أن يجيبهم معرضاً عن انتظار جوابهم آتياًبجزئي الاستفهام ايضاً فقال : ( قل الله ) أي الذي له الإحاطة الكاملة ) يهدي ( ولما كان قادراً على غاية الإسراع ، عبر باللام فقال : ( للحق ( إن أراد ، ويهدي إلى الحق من يشاء ، لا أحد ممن زعموهم شركاء ، فالاشتغال بشيء منها بعبادة أو غيرها جهل محض واختلال في المزاج كبير ، فالآية من الاحتباك : ذكر ) إلى الحق ( اي الكامل الذي لا زيغ فيه بوجه ولو على ابعد الوجوه ) احق أن يتبع ) أي بغاية الجهد ) أم من لا يهدي ( اي يهتدي فضلاً عن أن يهدي غيره إلى شيء من الأشياء أصلاً ورأساً ؛ وإدغام تاء الافتعال للإيماء إلى انتفاء جميع أسباب الهداية حتى أدانيها ، فإن التاء عند ارباب القوب معنها انتهاء التسبب غلى أدناه ) إلا أن يهدي ( اي يهديه هاد غيره كائناًمن كان ، وهذا يعم كل ما عبد من دون الله من يعقل وممن لا يعقل ؛ فلما اتم ذلك علىهذا النهج القويمن كان كانه قيل : أتجيبون أم تسكتون ؟ وإذا أجبتم أتؤثرون الحق فترجعون عن الضلال أم تعاندون ، تسبب عن ذلك سؤالهم عى وجه التوبيخ بقوله : ( فما ( اي أيّشيء ثبت ) لكم ( في فعل غير الحق من كلام أو سكوت ؛ ثم استأنف تبكيتاً آخر فقال : ( كيف تحكمون ( فيما سألناكم عنه ممالا ينبغي ان يخفى على عاقل ، أبالباطل أم بالحق ؟ فقد تبين الرشد من الغي ؛ والبدء : العقل الأول ؛ والإعادة : إيجاد الشيء ثانياً ؛ والهداية : التعريف بطريق الرشد من الغي .