كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)

صفحة رقم 445
كأنه قيل : فقال لهم ذلك فلم يأتوا لقومهم بشبهة شكاً فضلاً عن مصدق ، لأنه معجز لكونه كلاماً في أعلى طبقات البلاغة بحسن النظام والجزالة منزلاً من عند الله المحيط علماً وقدرة ، فهو مشتمل من كل معنى على ما علا كل العلو عن مدان ) بل ( وأحسن من ذلك أنه لما أقام الدليل على أن القرآن كلامه ، وكان الدليل إنما من شأنه أن يقام على من عرض له غلط أو شبهة ، وكان قولهم ) افتراه ( لا عن شبهة وإنما هو مجرد عناد ، نبه سبحانه على ذلك وعلى أنه إنما أقام الدليل لإظهار عنادهم لا لأن عندهم شبهة في كونه حقاً بالإضراب عن قولهم فقال : ( بل ) أي لم يقولوا ) افتراه ( عن اعتقاد منهم لذلك بل ) كذبوا ) أي أوقعوا التكذيب الذي لا تكذيب أشنع منه مسرعين في ذلك من غير ان يتفهموه مستهينين ) بما لم يحيطوا بعلمه ( اي في نظمه أو معناه من غير شبهة أصلاً بل عناداً وطغياناً ونفوراً مما يخالف دينهم وشراداً ، فهو من باب ( من جهل شيئاً عاداه ) والإحاطة : إرادة ما هو كالحائط حول الشيء ، فإحاطة العلم بالشيءالعلم به من جميع وجوهه .
ولما كان لا بد من وقوع تأويله ، وهو إتيان ما فيه من الإخبار بالمغيبات على ما هي عليه ، قال : ( ولما يأتهم ( اي غلى زمن تكذيبهم ) تأويله ) أي ترجيعنا لأخباره إلى مراجعها وغاياتها حتى يعلموا أصدق هي أم كذب ، فإنه معجز من جهة نظمه ومن جهة صدقه في أخباره ؛ والتأويل : المعنى الذي يؤول التفسير ، وهو منتهى التصريح من التضمين .
ولما كان كأنه قيل : إن فعلهم هذا لعجب ، فما حملهم على التمادي فيه ؟ فقيل : تبعوا في ذلك من قبلهم لموافقتهم في سوء الطبع ، قا مهدداً ومسلياً له ( صلى الله عليه وسلم ) : ( كذلك ) أي مثل تكذيبهم العظيم في الشناعة قبل تدبير المعجز ) كذب الذين ( ولما كان المكذبون بعض السافلين ، أثبت الجار افقال : ( من قبلهم ) أي من كفار الأمم الخالية فظلموا فأهلكناهم بظلمهم ؛ ولما كان التكذيب خطراً لما يثير من السرور ، سبب عنه - تحذيراًمنه - النظر في عاقبة امره فقال : ( فانظر ( اي بعينك ديارهم وبقلبك أخبارهم .
ولما كان من نظر هذا النظر وجد فيه أجل معتبر وأعلى مزدجر ، وجه السؤال إليه بقوله : ( كيف كان عاقبة ) أي آخر أمر ) الظالمين ) أي الذين رسخت أقدامهم في وضع الأشياء في غير مواضعها حتى كذبوا من ايجوز عليه الكذب بوجه ، ومن المقطوع به به أن هذا المسؤول يقول من غير تعلثم ولا تردد : عاقبة وخيمة قاصمة ذميمة ؛ والعاقبة سبب تؤدي غليه البادئة ، فالذي أدى إلى إلى هلاكهم بعذاب الاستئصال ما تقدم من ظلمهم لأنفسهم وعتوهم في كفرهم .

الصفحة 445