كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)

صفحة رقم 448
) أفأنت تهدي العمي ) أي عيوناً وقلوباً ) ولو كانوا ) أي بما جبلوا عليه ) لا يبصرون ) أي لا يتجدد لهم بصر ولا بصيرة ، فلا تمكن هدايتهم ، لأن هداية الطريق الحسي لا تمكن إلا بالبصر ، وهاية الطريق المعنوي لا تمكن إلا بالبصيرة ؛ والنظر : طلب الرؤية بتقليب البصر ، ونظر القلب طلب العلم بالفكر ؛ والعمى : آفة تمنع الرؤية عن العين والقلب ؛ والإبصار : إدراك الشيء بما به يكون مبصراً ، فكأنه قيل : ما له فعل بهم هذا والأمر بيده ؟ فقيل : لأنه تام المُلك والمِلكوهو متفضل في جميع نعمة لا يجب عليه لأحد شيء فهوا يسأل عما يفعل ، وبنى عليه قوله : ( إن الله ( وأحسن منه ان يقال : ولما كان التقدير : إذا علمت ذلك فخفف عنك بعض ما أنت فيه ، فإنك لا تقدر على إماعهم ولا هدايتهملأن الله تعالى أراد ما هم عليه منهم لاستحقاقهم ذلك لظلمهم أنفسهم ، علله بقوله : ( إن الله ) أي المحيط بجميع الكمال ) لا يظلم الناس شيئاً ( وإن كان هو الذي جبلهم على الشر ) ولكن الناس ) أي لما عندهم من شدة قواهم فيه باختيارهم مع زجرهم عن ذلك وحجبهم عما جبلوا عليه وإن كان الكل بيده سبحانه ولا يكون إلا بخلقه .
ولما كان في هذه الآيات ما ذكر من أفانين جدالهم في أباطيلهم وضلالهم ، وكان فهل ذلك - ممن لا يرى حشراً ولا جزاء ولانعيماً وراءا نعيم هذه الدار - فعل فارغ السر مستطيل للزمان آمن من نوازل الحدثان ، حسن تعقيبه بأنهم يرون يوم الحشر من الأهوال ما يستقصرون معه مدة لبثهم في الدنيا ، فقد خسروا إذن دنياهم بانزاع ، وآخرتهم بالعذاب الذي لا يستطاع ، وليس له انقطاع ، فقال تعالى مهدداً لهؤلاء الكفار الذين يعاندون فلا يسمعون ولا يبصرون عاطفاًعلى ) ويوم الحشر ( الأولى : ( ويوم نحشرهم ( اي واستقصروا مدة لبثهم في الدنيا يوم الحشر لما يستقبلهم من الأهوال والزلازل الطوال ، فكأنه قيل : إلى أي غاية ؟ فقيل : ( كأن ( اي كأنهم ) لم يلبثوا ( في دنياهم ، والجملة في موضع الحال من ضمير ) نحشرهم ( البارز اي مشبهين بمن لم يلبثوا ) إلا ساعة ) أي حقيرة ) من النهار ( وقوله : ( يتعارفون بينهم ( حال ثانية ، أي لم بفدهم تلك الساعة أكثر من أن عرف فيها بعضهم بعضاًليزدادوا بذلك حسرة في ذلك اليوم بعدم القدرة على التناصر والتعاون والتظافر كما كانوا يفعلون في الدنيا .
ولما كانت حالهم هذه هي الخسارة التي ليس معها تجارة ، فكان السامع متوقعاً للخبر عنها ، قال متعجباً منهم موضع : ما أخسرهم : ( قد خسر ( اي حقاً ) الذين كذبوا ( اظهر موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف مستهنين ) بلقاء الله ( أي

الصفحة 448