كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)
صفحة رقم 450
في الدنيا من تكذيب أو تصديق ) قضى بينهم ) أي في جميع الأمور بما أفاده نزع الخافض على أسهل وجه من غير شك بم أفاده البناء للمفعول ؛ ولما كان السياق بالترهيب أجدر ، قال ) بالقسط ) أي أظهر خفياً من استحقاقهم في القضاء بالعدل والقسمة المنصفة بينهم كلهم بالسوية فأعطى كل أحد منهم مقدار ما يخصه من تعجيل العذاب وتأخيره كما فعل معك ؛ ولما كان ذلك لا يستلزم الدوام ، قال : ( وهم لا يظلمون ) أي لا يتجدد لهم ظلم منه سبحانه ولا من غيره .
ولما تقدم في هذه الآيات تهديدهم بالعذاب في الدنيا أو في الآخرة ، حكى سبحانه جوابهم عن ذلك عطفاً على قوله : ( ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه ( فقال : ( ويقولون ) أي هؤلاء امشركون مجددين لهذا القول مستمرين على ذلك استهزاء : ( متى هذا الوعد ) أي بالعذاب في الدنيا أو في الآخرة ، وألهبوا وهيجوا بقولهم : ( إن كنتم ) أي أنت ومن قال بقولك ) صادقين ( والقول كلام مضمن في ذكره بالحكاية وقد يكون كلام لا يعبر عنه فلا يكون له ذكر بالحكاية - قاله الرماني ، ولتضمين جعل الشيء في وعاء ؛ والوعد : خبر بما يعطي من الخير ، والوعيد : خبر بما يعطى من الشر ، وقد يراد الإجمال كما هنا فيطلق الوعد على المعنيين : وعد المحسن بالثواب والمسيء بالعقاب ؛ والصدق : الخبر عن الشيء على ما هو به ؛ والكذب : الخبر عنه على خلا ما هو به .
ولما تضمن قولهم هذا استعجاله ( صلى الله عليه وسلم ) بما يتوعدهم به ، أمره بأن يتبرأ من القدرة على شيء لم يقدره الله عليه بقوله : ( قل ) أي لقومك المستهزئين ) لا أملك لنفسي ( فضلاً عن غيري ؛ لما كان السيااق للنقمة ، قدم الضر منبهاً على أن نعمه أكثر من نقمة ؛ وأنهم في نعمه ، عليهم أن يقيدوها بالشكر خوفاً من زوالها فضلاً عن أن يتمنوه فقال : ( ضراً ولا نفعاً ( .
ولما كان من المشاهد أن كل حيوان يتصرف في نفسه وغيره ببعض ذلك قال : ( إلا ما شاء الله ) أي المحيط علماً وقدرة أن أملكه من ذلك ، فكأنه قيل : فما لك لا تدعوه بأن يشاء ذلك ويقدرك عليه ؟ فقيل : ( لكل أمة أجل ( فكأنه قيل : وماذا يكون فيه ؟ فقيل : ( إذا جاء أجلهم ( هلكوا ؛ ولما كان قطع رجائهم من الفسحة في الأجل من الشرطية بكمالها ) ولا يستقدمون ( فلا يستعجلوه فإن الوفاء بالوعد لا بد منه. والسين فيهما بمعنى الوجدان ، أي لا يوجد لهم المعنى الذي صيغ منه الفعل مثل : استشكل الشيء واواسثقله ، ويجوز كون المعنى : لايوجدون التأخر ولا التقدم وإن اجتهدوا في