كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)

صفحة رقم 455
شامل العلم لقضائه بالعدل ، صادق الوعد لأنه لا حامل له على غيره ، وثبت تفرده بأنه يحي ويميت ؛ ثبت أنه قادر على الإعادة كما قدر على الابتداء ، فثبت أنه لا يكون الرد إلا إليه فنبه على ذلك بقوله : ( هو ) أي وحده ) يحيي ( اي كما أنتم به مقرون ) ويميت ( كما أنتم له مشاهدون ) وإليه ) أي لا إلى غيره ) ترجعون ( لأنه وعد بذلك في قوله :
77 ( ) إليه مرجعكم جميعاً وعد الله حقاً ( ) 7
[ يونس : 4 ] وفي قوله :
77 ( ) فإلينا مرجعهم ( ) 7
[ يونس : 46 ] وفي قوله
77 ( ) أي وربي إنه لحق ( ) 7
[ يونس : 53 ] وغير ذلك ولا مانع له منه ؛ والحياة معنى يوجب صحة العلم والقدرة ويضاد الموت ، هو يحل سائرأجزاء الحيوان فيكون بجميعه حياً واحداً ، والحي هو الذي يصح أن يكون قادراً ، والقادر هو الذي يصح أن يذم ويحمد بما فعل ، والموت معنى يضاد الحياة على البينة الحيوانية ، وليس كذلك الجمادية .
ولما ثبت أن ذلك كله حق مباين للسحر الذي مبناه على التخييل ، أقبل على الذين تقدم الإخبار عنهم في أول السورة في قوله : أكان للناس عجباً أنهم قالوا إنه سحر ، فقال : ( يأيها الناس ) أي الذين قالوا : إن وعدنا والإخبار به سحر ؛ ولما كان بين الأرواح والأبدان حب غريزي بالتعلق ، والتذ الروحلذلك بمشتهيات هذه الحياة الدنيا بما انطبع فيه بمظاهر الحس فلم يأته نور العقل حتى تعود النقائض بقوة التعلق فحدثتله أ خلاق ذميمة هي أمراض روحانية ، فأرسل ربه الذي أوجده ودبره وأحسن غليه طبيباً حاذقاً هو الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لعلاج هذه الأمراض .
وأنزل كتابه العزيز لوصف الأدوية ، فكان احكم الطب منع المريض عن أسباب المرض ، قال تعالى : ( قد جاءتكم موعظة ) أي زاجر عظيم عن التخلي عن كل ما يشغل القلب عن الله من المحظورات وغيرها من كل ما لا ينبغي ، وذلك هو الشريعة .
ولما كان تناول المؤذي شديد الخطر ، وهو لذيذ غلى النفس بينهما من ملاءمة النقص ، وكان الانكفف عنه أشق شيء عليها ، رغبها في القبول بقوله : ( من ربكم ) أي المحسن إليكم المدبر لمصالحكم بهذا القرآن ؛ ولما كان أليق ما يعمل بعد الحمية تعاطي الدواء المزيل للأخلاط الفاسدة من الباطن سالماً عن العقائد الفاسدة والأخلاق الناقصة كما سلم البدن من الأفعال الدينة ، وهذا هو الطريق .
ولما كانت الروح إذا انصقلت مرآتها فصارت قابلة لتجلي الأنوار عليها بفيض

الصفحة 455