كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)
صفحة رقم 460
ربك ) أي المربي لكل مخلوق بعام افضاله ولك بخاص نعمه وأشرف نواله ، وأغرق في النفي فقال : ( من مثقال ذرة ) أي وزن نملة صغيرة جداً وموضع وزنها وزمانه ؛ ولما كان ( في ) بمزون أهل الأرض كان تقديمها أولى فقال : ( في الأرض ( ولما لم يدع السياق إلى الجمع - كما سيأتي في سبأ - قال اكتفاء بالمفرد الدال على الجنسك ) ولا في السماء ) أي ما علا عن الأرض كائناً ما كان .
ولما كان ربما أدى الجمود بعض الأغبياء إلى أن يحمل المثقال على حقيقته ويجهل أن المراد به المبالغة ، قال عاطفاً على الجملة من اولها وهو على الابتداء سواء رفعنا الراءين على قراءة حمزة ويعقوب أو نصبناهما عند الباقين : ( ولا أصغر من ذلك ) أي من مثقال الذرة ) ولا أكبر ( ولما أتى بهذا الابتداء الشامل الحاصر ، اخبر عنه بقوله : ( إلا ) أي لا شيء من ذلك إلا موجود ) في كتاب ) أي جامع ) مبين ) أي ظاهر في نفسه مظهر لكل ما فيه ، وسيأتي في سبأ ما يتم به هذا المكان ، وفي ذلك تهديداً لهم وتثبيت له ( صلى الله عليه وسلم ) ، ولاح بهذا أن ما بعد ) إلا ( حال من الفاعل ، أي ما يفعل شيئاً إلا وأنت بأعيننا فثبت أن القرآن بعلمه ، فلو افتراه أحد عليه لأمكن منه ؛ والإفاضة : الدخول في العمل على جهة الانصباب إليه وهو الانبساط في العمل أخذاً من فيض الإناء إذا انصب ما فيه من جوانبه ، وأفضتم : تفرقتم كتفرق الماء الذي يتصبب من الإناء ؛ والعزوب : ذهاب المعنى عن العلم ، وضده الحضور ؛ والذر : صغار النمل وهو خفيف الوزن جداً ، ومثقاله : وزنه .
ولما تقدم أنهسبحانه شامل العلم ، وعلم - من وضع الأحوال ما لا يتسع من لا تسع مجرد أسمائهم الأرض في كتاب مبين أي مهما كشف منه وجد من غير خفاء ولا احتياج إلى تفتيش - أنه كامل القدرة بعد أن تقدم أنهم فريقان : صادق في امره ، ومفت عليه ، وأنه متفضل على الناس بعدم المعاجلة والتأخير إلى القيامة ، وخوّف المفتري عواقب أمر عاجلاً وآجلاً ، وجىّ المطيع ، كان موضع أن يقال : ليت شعري ماذا يكون تفصيل حال الفريقين في الدارين على الجزم ؟ فأجيب بأن الأولياء فائزون والأعداء هالكون ليشمر كل مطيع عن ساعد جده ويبذل غاية جهده فيلحاق المخلصين وتحامي جانب المفترين بقوله تعالى مؤكداً لاعتقادهم أنهم يهلكون حزب اله وإنكارهم غاية الإنكار أن يفوتوتهم : ( ألا إن أولياء الله ) أي الذين يتولون بالطاعة من لا شيء أعز منه ولا أعظم ويتولاهم ) لا خوف ) أي ثابت عال ) عليهم ) أي من شيء يستقبلهم ) ولا هم ) أي بضمائرهم ) يحزنون ( اي يتجدد لهم حزن علىفائت لأن قلوبهم معلقة بالله سبحانه فلا يؤثر فيهم لذلك خوف ولا حزن أثراً يقطع قلوبهم كما يعرض لغيرهم ،