كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)

صفحة رقم 462
همه مما وقع من المكروه ، من الحزن للأرض الغليظة ، ونقيضه السرور ، وهما يتعاقبان على حال الحي الذاكر للمحبوب ؛ والبشرى : الخبر الأول بما يظهر سروره في بشرة الوجه .
ولما تقدمت البشرى بنفي الخوف والحزن معاً عن الأولياء ، علم أن المعنى : هذه البشرى للأولياء وأنت رأسهم فلا تخف ، فعطف عليه قوله : ( ولا يحزنك قولهم ) أي في نحو قولهم : إنهم يغلبون ، وفي تكذيبك والاستهزاء بك وتهديدك ، فإن ذلك قول يراد به تبديل كلمات الله الغني القدير ، وهيهات ذلك من الضعيف الفقير فكيف بالعلي الكبير وإلى هذا يرشد التعليل لهذا النهي بقوله : ( إن العزة ) أي الغلبة والقهر وتمام العظمة ) لله ) أي الملك الأعلى حال كونها ) جميعاً ) أي فسيذلهم ويعز دينه ، والمراد بذلك التسلية عن قولهم الذي يؤذونه به .
ولما بدئت الآية بقولهم ، ختمها بالسمع له والعلم به وقصرهما عليه لأن صفات كل موصوف متلاشية بالنسبة إلى صفاته فقال : ( هو ) أي وحده ) السميع ) أي البليغ السميع لأقوالهم ) العليم ) أي المحيط العلم بضمائرهم وجميع أحوالهم فهو البالغ القدرة على كل شيء فيجازيهم بما تقتضيه ، وهو تعليل لتفرده بالعزة لأنه تفرد بهذين الوصفين فانتفيا عن غيره ، ومن انتفيا عنه كان دون الحيوانات العجم فأنى يكون له عزة والعزة : قدرة على كل جبار بما لا يرام ولا يضام ، والمعنى أنه يعزك على من ناواك ، والنهي في ) ولا يحزنك ( في اللفظ للقول وفي المعنى للسبب المؤدي غلى التأذي بالقول ، وكسرت ( إن ) هاهنا للاستئناف بالتذكر بما ينفي الحزن ، لا لأنها بعد القول لأنها ليست حكاية عنهم ، وقرىء بفتحها على معنى ( لأن ) .
ولما ختمت بعموم سمعه وعلمه بعد قصر العزة عليه ، كان كأنه قيل : إن العزة لا تتم إلاّ بالقدرة فأثبت اختصاصه بالملك الذي لا يكون إلاّ بها ، فقال مؤكداً لما يستلزمه إشراكهم من الإنكار لمضمون هذا الكلام : ( ألآ إن الله ) أي الذي له الإحاطة الكاملة ؛ ولما كان بعض الناس قد أشركوا ببعض النجوم ، جمع فقال معبراً بأداة العقلاء تصريحاً بما افهمه التعبير سابقاً بأداة غيرهم : ( من في السماوات ) أي كلها ، وابتدأ بها لأن ملكها يدل علىملك الأرض بطريق الأولى ، ثم صرح بها في قوله مؤكداً لما تقدم : ( ومن في الأرض ) أي كلهم عبيده ملوكهم ومن دونهم ، نافذ فيهم تصريفه ، منقادون لما يريده ، وهو أيضاً تعليل ثان لقوله ) ولا يحزنك قولهم ( أو للتفرد بالعزة ، وعبر ب ( من ) التي للعقلاء والمراد كل ما في الكون لأن السياق لنفي العزة عن غيره ، والعقلاء بها أجدر ،

الصفحة 462