كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)

صفحة رقم 463
فنفيها عنهم نفي عن غيرهم بطريق الأولى ، ثم غلبوا لشرفهم على غيرهم ، ولذا تطلق ( ما ) التي هي لغيرهم في سياق هو بها أحق ثم يراد بها العموم تغليباً للأكثر الذي لا يعقل على الأقل ؛ ثم نفى أن يكون له في ذلك شريك بقوله عاطفاً على ما تقديره : فما له شريك مما ادعاه المشكرون منهما أو من إحداهما : ( وما يتبع ) أي بغاية الجهد ) الذين يدعون ) أي على سبيل العبادة ) من دون الله ) أي الذي له العظمة كلها ) شركآء ( على الحقيقة ؛ ويجوز أن تكون ( ما ) موصولة تحقيراً للشركاء بالتعبير بأداة ما لا يعقل ومعطوفه على ( من ) ) إن ( اي ما ) يتبعون ( في ذلك الذي هو أصل أصول الدين يجب فيه القطع وهو دعاءهم له شركاء ) إلاّ الظن ) أي المخطىء على أنه لو كان صواباً كانوا مخطئين فيه حيث قنعوا في الأصل بالظن ، ثم نبه على الخطأ بقوله : ( وإن ( اي وما ) هم إلاّ يخرصون ) أي يحزرون ذلك ويقولون ما لا حقيقة له أصلاً ؛ والاتباع : طلب اللحاق بالأول على تصرف الحال ، فهؤلاء اتبعوا الداعي إلى عبادة الوثن وتصرفوا معه فيما دعا إليه ، وظنهم في عبادتها إنما هو بسبيهة ضعيفة كقصد زيادة التعظيم لله وتعظيم تقليد الأسلاف ، ويجوز أن يكون ) شركاء ( مفعولاً تنازعه ) يتبع ( و ) يدعون ( ؛ ثم اثبت سبحانه اختصاصه بشيء جامع للعلم والقدرة تأكيداً لاختصاصه بالعزة وتفرده بالوحدانية ، وأن من أشرك به خارص لا علم له بوجه لكثرة الدلائل على وحدانيته ووضوحها فقال : ( هو ) أي وحده ) الذي جعل ) أي بسبب دوران الأفلاك الذي أتقنه ) لكم ) أي نعمة منه ) الّيل ) أي مظلماً ) لتسكنوا فيه ( راحة لكم ودلالة على درته سبحانه على الإيجاد والإعدام وأُنساً للمحبين لربهم ) والنهار ( وأعار السبب وصف المسبب فقال : ( مبصراً ) أي لتنتشروا فيه ، حذف وصف الليل وذكرت علته عكس ما فعل بالنهار ليدل على ما حذف ، فالآية من الاحتباك .
ولما كانت هذه الآيات من الظهور بحيث لا يحتاج إلى أكثر من سماعها ، قال : ( إن في ذلك ) أي الأمر العظيم ) لآيات لقوم ( اي لهم قوة المحاولة على ما يريدونه ) يسمعون ( اي لهم سمع صحيح ، وفي ذلك ادلة واضحات على أنه مختص بالعزة فلا شريك له ، لأن الشريك لا بد وأن يقاسم شريكه شيئاً من الأفعال أو الأحوال أو الملك ، وأما عند انتفاء جميع ذلك فانتفاء الشركة أوضح من أن يحتاج فيه إلى دليل ، ويجوز أن يكون المعنى : لآيات لقوم يبصرون إبصاراً اعتبار ويسمعون سماع تأمل وإدكار ، ولكنه حذف ( يبصرون ) لدلالة ) مبصراً ( عليه ، ويزيد ذلك وضوحاً وحسناً كون السياق لنفي الشركاء ، فهو إشارة إلى أنها لا تسمع ولا تبصر أصلاً فكيف بالاعتبار والافتكار ؟ فالذين عبدوهم أكمل حالاً منهم .

الصفحة 463