كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)
صفحة رقم 465
برهان عليه في الأصول فهو جهل ، فكيف بما قام الدليل على خلافه ؛ والسلطان : البرهان القاهر لأنه يتسلط به على صحة الأمر ويقهر به الخصم ، وأصله القاهر للرعية بعقد الولاية .
ولما قدم قولهم كذب ، وبكتهم عليه مواجهة ، أتبعه بما يشير إلى أنهم أهل للإعراض في سياق مهدد على الكذب ، فقال معرضاً عن خطابهم مؤكداً لأن اجتراءهم على ذلك دال على التكذيب بالمؤاخذة عليه : ( قل ) أي للذين ادعوا الولد لله وحرموا ما رزقهم من السائبة ونحوها ) إن الذين يفترون ( اي يتعمدون ) على الله ) أي الملك الأعلى ) الكذب لا يفلحون ( ثم بين عدم الفلاح بقوله : ( متاع ) أي لهم ، ونكره إشارة إلى قلته كما قال في الآية الأخرى ( متاع قليل ) وأكد ذلك بقوله : ( في الدنيا ( لأنها دار ارتحال ، وما كان إلى زوال وتلاش واضمحلال كان قليلاً وإن تباعد مدّه وتطاولت مُدَده وجل مَدَده ، وزاد على الحصر عَدده ؛ وبين حالهم بعد النقلة بقوله : ( ثم ) أي بعد ذلك الإملاء لهم وإن طال ) إلينا ) أي على ما لنا من العظمة لا إلى غيرنا ) مرجعهم ( بالموت فنذيقهم عذاباً شديداً لكنه دون عذاب الآخرة ) ثم نذيقهم ( يوم القيامة ) العذاب الشديد بما ) أي بسبب ما ) كانوا ) أي كوناً هو جبلة لهم ) يكفرون ( ووجب كسر ( إن ) بعد القول لأنه حكاية عما يستأنف الإخبار به فعل في لام الابتداء لذلك .
ولما تقدم سؤالهم الإتيان بما يقترحون من الآيات ، ومضت الإشارة إلى أن تسييرهم في الفلك من أعظم الآيات وإن كانوا لإلفهم له قد نسوا ذلك ، وتناسجت الآي كما سلف إلى أن بين هذا أن متاع المفترين الكذبَ قليل تخويفاً من شديد السطوة وعظيم الأخذ ، عقب ذلك بقصة قوم نوح لأنهم كانوا أطول الأمم الظالمة مدة وأكثرهم عدة ، ثم أخذوا أشد أخذ فزالت آثارهم وانطمست اعلامهم ومنارهم فصاروا كأنهم لم يكونوا أصلاً ولا أظهروا قولاً ولا فعلاً ، فقال تعالى عاطفاً على قوله ) قل إن الذين ( مسلياً لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه رضي الله عنهم لأن المصيبة إذا عمت خفت ، وتخويفاً للكفار ليرجعوا أو يحفوا من أذاهم : ( واتل ) أي اقرأ قراءة متتابعة مستعلية ) عليهم نبأ نوح ) أي خبره العظيم مذكراً بأول كون الفلك وأنه كان إذ ذاك آية غريبة خارقة للعادة عجيبة ، وأن قوم نوح لم ينفعهم ذلك ولا أغنى عنهم افتراءهم وعنادهم مع تطاول الأمد وتباعد المدد ، بل صار أمرهم إلى زوال ، وأخذ عنيف ونكال
77 ( ) كأن لم يلبثوا إلاّ ساعة من النهار يتعاوفون بينهم ( ) 7
[ يونس : 45 ] مع نجاة رسولهم وخيبة مأمولهم ، قد لبث فيهم ما لم يلبثه نبي في قولهم ولا رسلو في أمته ألف سنة إلاّ خمسبن عاماً ، وما آمن معه إلاّ قليل ) إذ قال لقومه ) أي بعد أن دعاهم إلى الله فأطال دعاءهم ومتعوا في الدنيا كثيرا