كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)
صفحة رقم 467
الذي منعني - وأنا وحدي - منكم وأنتم ملء الأرض له العزة جميعاً وأن من أوليائه الذين تقدم وعده الصادق بأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) فما ) أي فلم يكن توليكم عن تفريط مني لأني سقت الأمر على ما يحب ، ما ) سألتكم ) أي ساعة من الدهر ، وأغرق في النفي فقال : ( من أجر ) أي على دعائي لكم يفوتني بتوليكم ولا تتهموني به في دعائكم .
ولما كان من المحال أن يفعل عاقل شيئاً لا لغرض ، بين غرضه بقوله مستأنفاً : ( إن ) أي ما ) أجري إلا على الله ( اي الذي له صفات الكمال ؛ ثم عطف عليه غرضاً آخر وهو اتباع الأمر خوفاً من حصول الضر فقال : ( وأمرت ) أي الملك الأعلى الذي لا أمر لغيره ، وبناه للمفعول للعمل بأنه هو الآمر وليزيد في الترغيب في المأمور به وتغطية بجعله عمدة الكلام بإقامته مقام الفاعل فقال ) أن أكون ) أي كوناً أتخلق به فلا أنفك عنه ؛ ولما كان في مقام الاعتذار عن مفاجأته لهم بالإنذار ، عبر بالإسلام الذي هو الأفعال الظاهرة فقال : ( من المسلمين ) أي الراسخين في صفة الانقياد بغاية الإخلاص ، لي ما لهم وعليّ ما عليهم ، أنا وهم في الإسلام سواء ، لا مرية لي فيه أتهم بهام أن أستسلم لكل ما يصيبني في الله ، لا يردني ذلك عن إنفاذ أمره ، والحاصل أنه لم يكن بدعائه إياهم في موضع تهمة ، لا سألهم غرضاً دنيوياً يزيده إن أقبلوا ولا ينقصه إن أدبروا ، ولا أتى بشيء من عند نفسه ليظن أنه أخطأ فيه ولا سلك به مسلكاً يظن به استعباده إياهم في اتباعه ، بل أعملهم بأنه أول مؤتمر بما أمرهم به مستسلم لما دعاهم إليه ولكل ما يصيبه في الله ، ولما لم يردهم كلامه هذا عن غيهم ، سبب عنه قوله مخبراً بتماديهم : ( فكذبوه ) أي ولم يزدهم شيء من هذه البراهين الساطعة والدلائل القاطعة إلا إدباراً ، وكانوا في آخر المدة على مثل ما كانوا عليه من التكذيب ) فنجيناه ) أي تنجية عظيمة بما لنا من العظمة الباهرة بسبب امتثاله لأوامرنا وصدق اعتماده علينا ) ومن معه ) أي من العقلاء وغيرهم ) في الفلك ( كما وعدنا أولياءنا ، وجعلنا ذلك آية للعالمين ) وجعلناهم ) أي على ضعفهم بما لنا من العظمة ) خلائف ) أي في الأرض بعد من أغرقناهم ، فمن فعل في الطاعة فعلهم كان جديراً بأن نجازيه بما جازيناهم ) وأغرقنا ) أي بما لنا من كمال العزة ) الذين كذبوا ( اي مستخفين مستهينين ) بآياتنا ( كما توعدنا يفترون على الله الكذب .
ولما كان هذا أمراً باهراً يتعظ به من له بصيرة ، سبب عنه أمر أعلى الخلق فهما بنظره إشارة إلى أنه لا يعتبر به حق الاعتبار غيره فقال : ( فانظر ( وأشار إلى أنه أهل لأن يبحث عن شأنه بأداة الاستفهام ، وزاد الأمر عظمة بذكر الكون فقال : ( كيف كان (