كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)
صفحة رقم 469
أظهرهم على بقايا مما شرعته الرسل فكانوا يعظونهم فيما يبتدعون فلا يعون ولا يسمعون كما كان قس بن ساعدة وزيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وغيرهم قبل لعث النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، لكن المعنى الأول أولى - والله أعلم .
ولما قرر عدم انتفاعهم بالآيات ، بنى ما يليه على سؤاله من لعله يقول : هل استمر الخلق فيمن بعدهم ؟ فكأنه قيل : نعم ) كذلك ) أي مثل ما طبعنا على قلوبهم هذا الطبع العظيم ) نطبع ) أي نوجد الطبع ونجدده متى شئنا بما لنا من العظمة ) على قلوب المعتدين ( في كل زمن لكل من تعمد العدو فيما لا يحل له ، وهذا كما أتى موسى عليه السلام إلى فرعون فدعاه إلى الله فكذبه فأخبره أن معه آية تصدقه فقال له : إن كنت جئت بآية فائت بها إن كنت من الصادقين ، فلما أتاه بها استمرعلى تكذبيه وكان كلما رأى آية ازداد تكذيباً ، وكان فرعون قد قوي ملكه وعظم سلطانه وعلا في كبريائه وطال تجبره على الضعفاء ، فطمست أمواله وآثاره ، وبقيت أحاديثه وأخباره ، ولهذا أفصح سبحانه بقصته فقال : دالاً على الطبع : ( ثم بعثنا ) أي وبعد زمن طويل من إهلاكنا إياهم بعثنا ، ولعدم استغراق زمن البعد أدخل الجار فقال : ( من بعدهم ) أي من بعد أولئك الرسل ) موسى و ( كذا بعثنا ) هاورن ( تأييداً له لأن اتفاق اثنين أقوى لما يقررانه وأوكد لما يذكرانه ؛ ولما استقر في الأذهان بما مضى أن ديدن الأمم تكذيب نم هو منهم حداً له ونفاسة عليه .
كان ربما ظن أن الرسول لو أتى غير قومه كان الأمر على غير ذلك ، فبين أن الحال واحد في القريب والغريب ، فقال مقدماً لقوله : ( إلى فرعون وملائه ) أي الأشراف من قومه ، فإن الأطراف تبع لهم ) بآياتنا ) أي التي لا تكتنه عظمتها لنسبتها إلينا ، فطبعنا على قلوبهم ) فاستكبروا ) أي طلبوا الكبر على قبول الآيات وأوجدوا ما يدل عليه من الرد بسبب انبعثه غليهم عقب ذلك ) وكانوا ) أي جبلة وطبعاً ) قوماً مجرمين ( اي طبعهم قطع ما ينبغي وصله ووصل ما ينبغي قطعه ، فلذلك اجترؤوا على الاستكبار مع ما فيها أيضاً من شديد المناسبة لما تقدم من قول الكافرين ) هذا سحر مبين ( في نسبة موسى عليه السلام إليه وبيان حقيقة السحر في زواله وخيبته متعاطية لإفساده إلى غير ذلك من الأسرار التي تدق عن الأفكار ، هذا إلى ما ينظم إليه من مناسبته ما بين إهلاك القبط وقوم نوح بآية الغرق ، وأنه لم ينفع أحداً من الفريقين معاينة الآيات ومشاهدة الدلالات البينات ، بل ما آمن لموسى إلا ذرية من قومه بعد تلك المعجزات الباهرة والبراهين الظاهرة ، ثم اتبعهم فرعون بعد أن كانت انحلت عن حسبهم عراه ، وتلاشت من تجبره قواه ، وشاهد من الضربات ما يهد الجبال ، ودخل في طلبهم البحر بحزات لا يقرب ساحتها الأبطال ، لما قدره عليه ذو الجلالن ولم