كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)
صفحة رقم 470
يؤمن حتى أتاه الباٍ حيث يفوت الإيمان بالغيب الذي هو شرط الإيمان ، فلم ينفعه إيمانه مع اجتهاده فيه وتكريره لفوات شرطه إجابة لدعوة موسى عليه السلام ، ثم إن بني إسرائيل كانوا قبل مجيء موسى عليه السلام على منهاج واحد .
فما اختلفوا إلا بعد مجيء العلم إليهم وبيان الطريق واضحة لديهم ، ولهذا المراد ذكر هنا هارون عليه السلام لأن من أعظم مقاصد السورة المنع من طلب الآيات لمن بعد الإيمان عند الإتيان بها ، إشارة إلى أن القول من الاثنين أوكد ، ومع ذلم فلم يصدقن من حكم القدير بشقاوته ، كل ذلك حثاً على الرضا والتسليم ، ووكل الأمر إلى الرب الحكيم ، فمهما أمر به قبل ، وما أعرض عنه ترك السؤال فيه رجاء تدبيره با ؛ سن التدبير وتقدره ألطف المقادير ؛ ولما أخبر سبحلنه باستكبارهم ، بين أنه تسبب عنه طعنهم في معجزاته من غير تأمل ، بل بغاية المبادرة والإسراع بما أشعرت به الفاء والسياق ، فقال تعالى : ( فلما جاءهم ( اي فرعون وملؤه ) الحق ) أي البالغ في الحقية ، ثم زاد في عظمته بقوله : ( من عندنا ) أي على ما لنا من العظمة التي عرفوا بها أنه منا ، لا من الرسولين ) قالوا ( اي غير متأملين له ولا ناظرين في أمره بل عناداً ودلالة على استكبراهم مؤكدين لما علموا من تصديق الناس به ) إن هذا لسحر مبين ( كما قال الناس الذين أخبر عنهم سبحانه في أول السورة في هذا القرآن وما إبانه من البعث .
فلما قالوا ذلك أخبر عنهم سبحانه في أول السورة في هذا القرآن وما إبانه من البعث .
فلما قالوا ذلك كان كأنه قيل : فماذا أجابهم ؟ فأخبر أنه أنكر عليهم ، بقوله : ( قال موسى ( ولما كان تكريرهم لذلك القول أجدر بالإنكار ، عبر بالمضارع الدال على أنهم كرروه لينسخوا ما ثبت في قلوب الناس من عظمته ) أتقولون للحق ( ونبه هذا القول الذي قلتموه وهو أنه سحر ، فإن القول يطلق على المكروه ، تقول : فلان قال في فلان ، اي ذمه ، وفلان يخاف القاة ، وبين الناس تقاول ؛ ثم كرر الإنكار بقوله : ( أسحر هذا ) أي الذي هو في غاية الثبات والمخالفة للسحر في جميع الصفات حتى تقولون فيه ذلك .
فالآية من الاحتباك : ذكر القول في الأول دال على حذف مثله في الثاني ، وذكر السحر الثاني دال على حذف مثله في الأول .
ولما كان التقدير : أتقولون هذا والحال أنكم قد رأيتم فلاحه ، بين عليه قوله : ( ولا يفلح ) أي يظفر بما يريد في وقت من الأوقات ) الساحرون ) أي العريقون فيه لأن حاصل أمرهم تخييل وتمويه في الأباطيل ، فالظفر بعيد عنهم ، ويجوز أن تجعل هذه الجملة معطوفه على قوله : ( أسحر هذا ( لأنه إنكاري بمعنى النفي ، فلما أنكر عليهم عليه السلام ما ظهر به الفرق الجلي بين ما أتى به في ونه أثبت الأشياء وبين السحر ،