كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)
صفحة رقم 474
أي وحده لما علمتم من عظمته التي لا يداينها شيء سواه ) توكلوا ( وليظهر عليكم أثر التوكل من الطمأنينة والثبات والسكينة ) إن كنتم ) أي كوناً ثابتاً ) مسلمين ( جامعين إلى تصديق القلب إذعان الجوارح ؛ وجواب هذا الشرط ما دل عليه الماضي من قوله : ( فعليه توكلوا ( ) فقالوا ) أي على الفور كما يقتضيه الفاء ) على الله ) أي الذي له العظمة كلها وحده ) توكلنا ) أي فوضنا أمورنا كلها إليه ) ربنا ) أي ايها الموجد لنا المحسن إلينا ) لا تجعلنا فتنة ( اي موضع مخالطة بما يميل ويحيل ) للقوم الظالمين ( اي لا تصبنا أنت بما يظنون له تهاونك بنا فيزدادوا نفرة عن دينك لظنخك أنا على الباطل ولا تسلطهم علينا مما يفتننا عن ديينا فيظنوا أنهم على الحق ) ونجنا برحمتك ( اي إكرامك لنا ) من القوم ) أي الأقوياء ) الكافرين ) أي العريقين في تغطية الأدلة ، وفي دعائهم هذا إشارة إلى أن أمر الدين أهم من أمر النفس .
ولما أجابوه إلى إظهار الاعتماد عليه سبحانه وفوضوا الأمور إليه ، أتبعه ما زيدهم طمأنينة من التوطن في أرض العدو إشارة إلى عدم المبالاة به ، لأنه روي أنه كانت لهم متعبدات يجتمعون فيها ، فلما بعث موسى عليه السلام أخربها فرعون ، فأمر الله تعالى أن تجعل في بيوتهم لئلا يطلع عليهم الكفرة فقال تعالى عاطفاً على قوله : ( وقال موسى ( ) وأوحينا ) أي بما لنا من العظمة البالغة ) إلى موسى وأخيه ) أي الذي طلب مؤازرته ومعارضته ) أن تبوءا ) أي اتخذا ) لقومكما بمصر ( وهي ما بين البحر إلى أقصى أسوان والإسكندرية منها ) بيوتاً ( تكون لهم مرجعاً يرجعون إليه ويأوون إليه ) واجعلوا ) أي أنتما ومن معكما من قومكما ) بيوتكم قبلة ) أي مصلى لتتعبدوا فيها مستترين عن الأعداء تخفيفاً من أسباب الخلاف ) وأقيموا الصلاة ) أي بجميع حدودها وأركانها مستخفين ممن يؤذيكم جمعاً بين آلتي النصر : الصبر والصلاة ، وتمرناً على الدين وتثبيتاً له في القلب .
ولما كان الاجتماع فيما تقدم أضخم وأعز وأعظم ، وكان واجب على الأمة كوجوبه على الإمام جمع فيه ، وكان إسناده البشارة عن الملك إلى صاحب الشريعة أثبت لأمره وأظهر لعظمته وأثبت في قلوب أصحابه وأقر لأعينهم ، أفرد في قوله : ( وبشر المؤمنين ( اي الراسخين في الإيمان من أخيك وغيره .
يونس : ( 88 - 89 ) وقال موسى ربنا. .. . .
) وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ( ( )