كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)
صفحة رقم 475
ولما ختم ببشارة من دل على إيمانهم إسلامهم بفعل ما يدل على هوان أمر العدو ، وكان هلاك المشانىء من أعظم البشائر ، وكان ضلال فرعون وقومه بالزينة والمال إضلالاً لغيرهم ، سأل موسى عليه السلام إزاله ذلك كله للراحة من شره ، فقال تعالى حاكياً عنهك ) وقال موسى ) أي بعد طول دعائه لفرعون وإظهار المعجزات لديه وطول تكبره على أمر اله وتجبره على المستضعفين من عباده ، ولما كان من أعظم أهل الاصطفاء ، أسقط الأداة تسنناً بهم ، وأشار بصفة الإحسان إلى أن هلاك أعدائهم أعظم إحسان إليهم فقال : ( ربنا ( اي أيها المحسن إلينا ) إنك ( أكد لما للجهال من إنكار أن يكون عطاء الملك الأعظم سبباً للإهانة ) أتيت فرعون وملأه ) أي أشراف قومه على ما هم فيه من الكفر والكبر ) زينة ) أي عظيمة يتزينون بها من الحلية واللباس وغيرهما ) وأموالاً ) أي من الذهب والفضة وغيرهما ) في الحياة الدنيا ( روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان لهم من فسطاط مصر إلى أرض الحبشة جبال فيها معادن من ذهب وفضة وزبرجد وياقوت ؛ ثم بين غابتها لهم فقال مفتتحاً بالنداء باسم الرب ليعيذه وأتباعه من مثل حالهم : ( ربنا ) أي أيها الموجد لنا المحسن إلينا والمدبر لأمورنا ) ليضلوا ( في أنفسهم ويضلوا غيرهم ) عن سبيلك ) أي الطريق الواسعة التي نهجتها للوصول إلى رحمتك .
ولما بين أن مآلهم الضلال ، دعا عليهم فقال مفتتحاً أيضاً بالنداء باسم الرب ثالثاً لأن ذلك من أمارات الإجابة كما أُشير إليه في آخر آل عمران وإشارة إلى أنهم لا صلاح لهم بدون هلاكهم وهلاكها : ( ربنا اطمس ) أي أوقع الطمس وهوالتسوية بين المطموس وبين غيره مما ليس له نفعه ) على أموالهم ( .
ولما كان قد رأى منهم من التكبر على الله والتكذيب لآيانه والتعذيب لأوليائه ما لا يشفي غيظه منه إلا إدامة شقائهم دنيا وأخرى ، وكان عالماً بأن قدرة الله على إبقائهم على الكفر مع تحسيرهم بسلب المال كقدرته على ذلك باستدراجهم إليه بالمال ، قال : ( واشدد ( اي شداً ظاهراً لكل أحد - بما اشار إليه الفك مستعلياً ) على قلوبهم ( قال ابن عباس : اطبع عليها وامنعها من الإيمان ، وأجاب الدعاء بقوله : ( فلا يؤمنوا ) أي ليتسبب عنذلك الشد عدم إيمانهم إذا رأوا مبادىء العذاب الطمس ) حتى يروا ( اي بأعينهم ) العذاب الأليم ( حيث لا ينفعهم إذا الإيمان فيكونوا جامعين ذل النفوس المطلوب منهم اليوم ليفيدهم العز الدائم إلى شدة الغضب بوضع الشيء في غير موضعه المنتج لدواتم ذلهم بالعقاب ؛ وهذه الآية منبه على أن الرضى بكفر خاص لا يستلزم استحسان الكفر من حيث هو كفر ؛ قال الإمام الحليمي في كتاب شعب الإيمان المسمى