كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)
صفحة رقم 477
ولما أخبر سبحانه عن دعائه عليه السلام أخبر بإجابته بقوله مستأنفاً : ( قال ( ولما كان الموضع محل التوقع للإجابة ، افتتحه بحرفه فقال : ( قد أجيبت دعوتكما ( والبناء للمفعول أدل على القدرة وأوقع في النفس من جهة الدلالة على الفاعل بالاستدلال ، وثنى للإعلام بأن هارون عليه السلام مع موسى عليه السلام في هذا الدعاء ، لأنه معه كالشيء الواحد ا خلاف منه أصلاً وإن كان غائباً ، وذلك كما بايع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن عثمان رضي الله عنه في عمرة الحديبية فضرب بإحدى يديه على الأخرى وهو غائب في حاجة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكذا ضرب له في غزوة بدر بسهمه وأجره وكان غائباً .
ولما كانت الطاعة وانتظار الفرج وإن طال زمنه أعظم أسباب الإجابة ، سبب عن ذلك قوله : ( فاستقيما ) أي فاثبتا على التعبد والتذلل والخضوع لربكما كما أن نوحاً عليه السلام ثبت على ذلك وطال زمنه جداً واشتد أذاه ولم يضجر ؛ ولما كان الصبر شديداً .
أكد قوله : ( ولا تتبِّعان ( بالاستعجال أو الفترة عن الشكر ) سبيل الذين لا يعلمون ( ولما أمر بالتأني الذي هو نتيجة العلم ، عطف على ذلك الإخبار بالاستجابة قوله : ( وجوزنا ) أي فعلنا بعظمتنا في إجازتهم فعل المناظر للآخر المابري له ، ودل بإلصاق الباء بهم على مصاحبته سبحانه لهم دلالة على رضاه بفعلهم فقال : ( ببني إسرءيل ) أي عبدنا المخلص لنا ) البحر ( إعلاماً بأنه أمرهم بالخروج من مصر وأنجز لهم ما وعد فأهلك فرعون وملأه باتباعهم سبيل من لا يعلم بطيشهم وعدم صبرهم ، ونجى بني إسرائيل بصبرهم وخضوعهم ؛ والالتفات من الغيبة إلى التكلم لما في هذه المجاوزة ومقدمتها ولواحقها من مظاهر العظمة ونفوذ الأوامر ومضاء الأحكام ؛ وبين سبحانه كيفية إظهار استجابة الدعوة بقوله مسبباً عن المجاوزة : ( فأتبعتهم ( اي بني إسرائيل ) فرعون وجنوده ) أي أوقعوا تبعهم أي حملوا نفوسهم على تبعهم ، وهو السير في أثرهم ، واتبعه - إذا سبقه فلحقه ، ويقال : تبعه في الخير واتبعه في الشر .
ولما أفهم ذلك ، صرح به فقال : ( بغياً ) أي تعدياً للحق واستهانة بهم ) وعدواً ) أي ظلماً وتجاوزاً للحد .