كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)

صفحة رقم 479
تكون أعلى وبعرفوا أن من عصى الملك أخذ وأن كان أقوى الناس ، اكثرهم جنوداً ، وقد ادعى بعض الملحدين إيمانه بهذه الآية إرادة لما يعيذ الله منه من حل العقد الواجب من أن فرعون من أكفر الكفرة بإجماه أهل الملل ليهون اللناس الاجتراء على المعاصي ، وادعى أنه لا نص في القرآن على أنه قوله تعالى :
77 ( ) وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين ( ) 7
[ يونس : 83 ] مع قوله تعالى :
77 ( ) وأن المسرفين هم أصحاب النار ( ) 7
[ غافر : 43 ] قياس قطعي الدلالة بديهي النص على أنه من أهل النار ، والآية - كما ترى - دليل على قوله : ( قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتاً أو نهاراً ( - الآية ، لو كان فرعون مثل قريش ، فكيف ولا نسبة لهم منه في شدة الاستكبار التابعة لكثرة الجموع ونفوذ الكلمة بضخامة الملك وعز السلطان والقوة بالأموال والأعوان ، وقد وري أن جبريل عليه السلام كان أتاه بفتيا في عبد نشأ في نعمة سيده فكفر نعمكته وجحد حقه وادعى السيادة دونه ، فكتب فرعون جزاء العبد الخارج عن طاعة سيده الكافر نعماءه أن يغرق في البحر ، فلما ألجمه الغرق ناوله جبريل عليه السلام خطه فعرفه .
ولما لم يعمل فرعون وآله بمقتضى ما رأوا من الآيات ، كان حكمهم حكم الغافلين عنها ، فكان التقدير : ولقد غفلوا عما جاءهم من الآيات ) وإن كثيراً ( أكده لأن مثله ينبغي - لبعده عن الصواب - أن لا يصدق أن أحداً يقع فيه ) من الناس ) أي وهم من لم يصل إلى حد أول أسنان أهل الإيمان لما عندهم من النوس - وهو الاضطراب - والأنس بأنفسهم ) عن آياتنا ) أي على ما لها من العظمة ) لغاقلون ( والإصلاح : تقويم العمل على ما ينفع بدلاً مما يضر ؛ وإحقاق الحق : إظهاره وتمكينه بالدلائل الواضحة حتى يرجع الطاعن عنه حسيراً والمناصب له مفلولاً ؛ والإسراف : الإبعاد في مجاوزة الحق ؛ والفتنة : البلية ، وهي معاملة تظهر الأمور الباطنة ؛ والناجة : الخلاص ما فيه المخافة ، ونظيرها السلامة ، وعلقوا النجاة بالرحمة لأنها إنعام على المحتاج بما تطلع إليه النفوس العباد ، فهو أوكد ما يكون من الدعاء إلى الصلاح ؛ والوحي : إلقاء المعنى لى النفس في خفاء ، والإيحاء والإيماء والإشارة نظائر ، ولا يجوز أن تطلق الصفة بالوحي إلا لنبي ؛ وتبوأ : اتخذ ، وأصله الرجوع ، فالمتبوأ : المنزل ، لأنه يرجع إليه للمقام فيه : والطمس : محو الأثر فهو تغير إلى الدثور والدروس ؛ والإجابة : موافقة الدعوة فيما طلب بها لوقوعها على تلك الصفة ؛ والدعوة : طلب الفعل بصيغة الأمر ، وقد تكون بالماضي ؛ والمجوزة : الخروج عن الحد من إحدى الجهات ؛ والبحر : مستقر الماء الواسع يحيث لا يدرك طرفيه من كان في وسطه ،

الصفحة 479