كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)
صفحة رقم 490
كان المعنى ( لولا ) النفي ، كان التقدير : لكن لم تؤمن قرية منهم إلاّ عند صدم العذاب كما فعل فرعون ، لو آمن عند رؤية البحر عل حال الفلق أو عند توسطه وقبل انسيابه عليه قُبِل ، ولكنه ما آمن إلا بعد انهماره ومسه .
وذلك حين لا ينفع لفوات شرطه من الإيمان بالغيب ) إلاّ قوم يونس ( فإنهم آمنوا عند المخايل وقت بقاء التكليف فنفعهم ذلك فإنهم ) لمآ آمنوا ( ودل على أنه قد كان أظلهم بقوله : ( كشفنا ( اي بعظمتنا ) عنهم ) أي حين إيمانهم ، روي أنه لم يبق بينهم وبين العذاب إلا قدر ميل ) عذاب الخزي ) أي الذي كان يوجب لهم لو برك عليهم هوان الدارين ) في الحياة الدنيا ) أي فلم يأخذهم وقت رؤيتهم له ) ومتعناهم ) أي تمتيعاً عظيماً ) إلى حين ( وهو انقضاء آجالهم مفرقة كل واحد منهم في وقتها لمضروب له ، وما ذكرته في معنى الآية نقله القاضي أبو محمد إساحاق بن إبراهيم البستي في تفسيره المسند عن ابن أبي عمر قال : قال شفيان الثوري : ( فلولا كانت قرية آمنت ( قال : فلم تكن قرية آمنت ، وهذا تفسير معنى الكلام ، وأما ( لولا ) فهو بمعنى هلا ، وهي على وجوه تحضيض وتأنيث ، اي توبيخ ، وهي هنا للتوبيخ .
ويجوز ئان تكون استفهامية بمعنى ( لولا ) ، ويلزم كلا من المعنيين النفي ؛ والنفع : إيجاب اللذة بفعلها أو ما يؤدي إليها كالدواء الكريه المؤدي إلى اللذة ؛ والخزي هو أن يفضح صاحبه ، وهو وضع من القدر للغم الذي يلحق به ، وأصله التعب .
ولما كن ما مضى ربما أوجب اعتقاد أن غيمان مثل أولئك محال هذه الآية في مقام الاحتراس منه مع البيان لأن حرض الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) على غيمانهم لا ينفع ومبالغته في إزالة الشبهات وتقرير الدلائل لا تفيد إلاّ بمشيئة الله تعالى لتوفيقهم وهدايتهم ، ولو كان ذلك وحده كافياً لآمنوا بهذا السورة فإنها أزالت شبهاتهم وبينت ضلالاتهم وحققت بقصتي نوح وموسى عليهما السلام ضعفهم ووهن مدافعاتهم فقال تعالى : ( ولو شآء ) أي إيمان الناس ) ربك ( أيالمحسن غليك بإقبال من اقبل لعلمه الخير فيه وإدبار من أدبر لعدم قابليته لخير ) لآمن من في الأرض ( من الكفار .
ولما كن هذا ظاهراً في الكل ، صرح به مؤكداً لأن المقام يقتضيه فقال : ( كلهم جميعاً ( اي مجتمعين فيآن واحد لا يختلفون في شيء منه ، ولكن لم يشأ ذلك وأنت لحرصك على امتثال أوامري ووصيتي لك باللطف بخلقي الموافق لما جلبتك عليه من الخير تريد ذلك ) أفأنت تكره الناس ) أي الذين لم يرد الله إيمانهم مع كا طبعهم عليه من الاضطراب ) حتى يكونوا ) أي كوناً جبلياً ) مؤمنين ( اي راسخين في الإيمانن وإيلاء الاستفهام الاسم مقدماً عل الفعل للإعلام بأن الفعل - وهو هنا الإكراه - ممكن من غير ذلك الاسم وهو هنا الله وحده القادر على تحويل الطباع فإن قدرته قاهرة لكل شيء