كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)

صفحة رقم 491
ومشيئته نافذة في كل شيء مع الدلالة على أن وقوع المشيئة مستحيل لا يمكن لغيره تعالى بإكراه ولا غير ، والمشيئة معنى يكون به الفعل مراداً آخذت من الشيء ، والمراد بالآية تخفيف ما يلحق النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من التحسر للحرص على إيمانهم ) وما كان ( اي وما ينبغي ولا يتأتى ) لنفس ) أي واحدة فما فوقها ) أن تؤمن ( اي يقع منها إيمان في وقت ما ) إلاّ بإذن الله ) أي بإرادة الملك الأعلى الذي له الخلق والأمر وتمكينه ، فيجعل الثبات والطمأنينة - اللازمين للإيمان الذي هو ابعد شيء عن السحر - على الذين ينتفعون بعقولهم فيلزمون معالي الأخلاق التي هي ثمرات للإيمان ) ويجعل الرجس ( اي الاضطراب والتزلزل الذي يلزمه التكذيب الذي هو أشبه شيء بالسحر لأنه تخييل ما لا حقيقة له والقذر والقباحة والغضب والعقاب الناشىء عنه .
ولما كان ما في هذه السورة من الدلائل قد وصل في البيان إلى حد لا يحتاج فيه إلى غير مجر العقل قال : ( على الذين لا يعقلون ) أي لا يوجد لهم عقل ، فهم لذلك لا ينتفعون بالآيات وهم يدعون أنهم اعقل الناس فيتساقطون في مساوىء الأخلاق وهم يدعون أنهم ابعد الناس عنها ، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ؛ والنفس : خاصة الشيء التي لو بطل ما سواها لم يبطل ذلك الشيء ، ونفسه وذاته واحد .
يونس : ( 101 - 105 ) قل انظروا ماذا. .. . .
) قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُواْ إِنَّي مَعَكُمْ مِّنَ الْمُنْتَظِرِينَ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ قُلْ يأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ( ( )
ولما تقرر ما مضى من النهي عن الإضغاء إليهم في طلب الآيات ، وختم بتعليق الأمر بمجرد المشيئة ، كان كأنه قيل : فماذا يقال لهم إذا طلبوا ؟ فقال : ( قل ) أي يا أشرف الخلق لهم غير مهتم بأمرهم ومنبهاً لهم على إبطال مذهب الجبر المتعلق أصحابه بنحو هذه الآية ، لأن المشيئة مغيبة والعبد مأمورببذل الجهد في الطاعة بما له من القدرة والاختبار .
ولما أمر بهذا الفكر فكان ربما ظن لأجله أن للإنسان قدرة مستقلة ، نبه على مذهب أهل السنة القائل بالكسب الذي هو - كما قال الإمام علي رضي الله عنه - أمر بين أمرين لا جبر ولا تفويض ، فقال معلماً أن من حكم بشقائه لا ينفعه شيء : ( انظروا (

الصفحة 491