كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)
صفحة رقم 494
دون الله ) أي الملك الأعظم لعدم قدرتهم على شيء من ضري ، فلا تطمعوا في أنه يحصل لي شك بسبب حصول الشك لكم ، فإذاً لا أعبد غير الله أصلاً .
ولماكان سلب عبادته عن غيره ليس صريحاً في إثباتها له قال : ( ولكن أعبد الله ( ايالجامع لأوصاف الكمال عبادة مسستمرة ؛ ثم وصفه بما يوجب الحذر منه ويدل على كمال قدرته ) الذي يتوفاكم ( بانتزاع أرواحكم التي لا شيء عندكم يعدلها .
فلا تطمعون - عند إرادنه لنزعها - في المحاولى لتوجيه دفاع عن ذلك .
وفي هذا الوصف - مع ما فيه من الترهيب - إشارة غلى الدلاة على الإبداء والإعادة ، فكأنه قيل : الذي اوجدكم من عدم كما أنتم به مقرون بعدمكم بعد هذا الإيجاد وأنتم صاغرون ، فثبت قطعاً أنه قادر على إعادتكم بعد هذا الإعدام بطريق الأولي فاحذروه لتعبدوه كما أعبده فإن قد أمرني بذلك وأنتم تعرفون غائلة الملك إذا خولف ، وقال ) إن كنتم في شك ( مع أنهم يصرحون ببطلان دينه ، لأنهم في حكم الشاك لاضطرابهم عند ورود الآيات ، أو اأن فيهم الشاك فغلب لأنه أقرب إلى الحيز ؛ والشك : وقوف بين المعنى ونيضه ، وضده الإعتقاد فإنه قطع بصحة المعنى دون نقيضه ، وعبر ب ( من ) إشارة إلى أن فعلهم ذلك ابتدأ من الدين ، ولو عبر ب ( في ) لأفهم أنهم دخلوا فيه لأنهم في الشك والشك في الدين ، والظرف لظرف الشيء ظرف لذلك الشيء ، وترك العطف إشارة إلى أن كل جواب منا كاف على حياله .
ولما قرر ما هو الحقيق بطريق العقل ، اتبعه بما رود من النقل بتأييده وإيجابه بقوله : ( وأمرت ) أي بأمر جازم ماض ممن لا أمر لأحد معه ، وعظم المأمور به بجعله عمدة الكلام بإقامته مقام الفاعل فقال : ( أن أكون ) أي دائماً كوناً جبلياً ، ولما كان السياق لما يحتمل الشك من امر الباطن ، عبر بالإيمان الذي هو للقلب فقال : ( من المؤمنين ) أي الراسخين في هذا الوصف ) وأن اقم ( اي أيها الرسول ) وجهك ) أي كليتك على سبيل الإخلاص الذي لا شوب فيه ) للدين ( فوصل أولاً كلمه ( أن ) بمعنى الأمر أي ) أن أكون ( دون ( أكن ) وثانياً بلفظه وهو ) أقم ( جمعاً بين الأسلوبين ، وكلاهما بمعنى المصدر ، وخص الثاني بذلك لطوله لأنه كالتفصيل للأول فالخطاب فيه أوكد وألذ ، وقوله : ( حنيفاً ( حال من فاعل ( أقم ) ومعناه : مسلياً ميالاً مع الدليل - كما اوضحته في البقرة ، اي أجمع بين الإيمان بالقلب والإسلام بالجوارح ) ولا تكونن ) أي في وقت من الأوقات ) من المشركين ( الذين هم على ضد صفة الإسلام من الجفاء والغلظة والجمود والقسوة .