كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)

صفحة رقم 504
كان مرادهم بالثني الاسستار من الله تعالى فالأمر في عود الضمير غيه سبحانه واضح ، وإن كان من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فالاستخفاء منه استخفاء ممن أرسله ، ثم أعلم أن ذلك غير مغن عنهم لأنه يعلم سرهم وعلنهم في أخفى أحوالهم عندهم ، وهو حين استغشاهم ثيابهم ، فيغطون الوجوه التي تستقر عن بعض ما في القلوب للمتوسمين فقال : ( ألا حين يستغشون ثيابهم ( اي يوجدون غشيانها أي تغطيتها لرؤوسهم ، لاستخفاء كراهية لسماع كلام الله وأخبار رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ) يعلم ما يسرون ) أي يوقعون إسراره في أيّ وقت كان ومن أيّ نوع كان من غير بطء لتدبر أو تأمل ، ولما لم يكن بين علم السر والعلن ملازمة لاختصاص العلن بما يكون لغيبة أو اختلاف بأصوات ولفظ أو اختلاف لغة ونحو ذلك قال تصريحاً : ( وما يعلنون ) أي يوقعون إعلانه لا تفاوت في علمه بين إسرار وإعلان ، فلا وجه لاستخفائهم نفاقاً ، فإن سوق نفاقهم غير نافق عنده سبحانه .
ثم علله بما هو أدق من ذلك كله مع شموله للنوعين فقال : ( إنه عليم ) أي بالغ العلم جداً ) بذات الصدور ) أي بضمائر قلبوهم التي في دواخل صدورهم التي يثنونها من قبل أن يقع لهم إضمارها ، بل من قبل ان يخلقهم ؛ وأصل الثني العطف ، ومنه الاثنان - لعطف احدهما على الآخر ، والثناء - لعطف المناقب في المدح .
ولهذا لما قال العبد في الفاتحة ) الرحمن الرحيم ( بعد الجمد قال الله تعالى : أثنى عليّ عبدي - كما في حديث ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ) و الاستثناء - لعطف الثاني على الأول بالاستخراج منه ؛ والاستخفاء : طلب خفاء الشيء : ثم اتبع ذلك بما يدل على شمول العلم والقدرة معاً فقال : ( وما ( وأغرق في العموم بقوله : ( من دآبة ( ودل على أن الانتفاع بالأموال مخصوص بأهل العالم السفلي بقوله : ( في الأرض ( اي صغرت أو كبرت ) إلا على الله ( اي الملك الأعلى الذي ، له الإحاطة وحده لا على غيره ) رزقها ( اي قوتها وما تنتفع وتعيش به بمقتضى ما أوجبه على نفسه ، تحقيقاً لوصوله وحملاً على التوكل فيه ، لأن الإفصال على كل نفس بما لا تعيش إلا به ولا يلائمها إلا هو مدة حياتها أدق مما مضى في العلم مع تضمنه لتمام القدرة ، والآية مع ذلك ناظرة إلى ترغيب آية ) وأن استغفروا ربكم ( فالمراد : أخلصوا العبادة له ولا تفتروا عن عبادته للاشتغال بالرزق فإنه ضمنه لكم وهو عالم بكل نفس فلا تخشوا من أنه ينسى أحداً ، وقال : ( وفي الأرض ( ليعم ما يمشي على وجهها وما في أطباقها من الديدان ونحوها مما لا يعلمه إلا هو ، لقد شاهدت داخل حصاة من شاطىء بحر قبرس شديدة الصلابة كأنها العقيق الأبيض دودة عندها ما تأكل ، وأخبرني الفاضل عز الدين محمد بن أحمد

الصفحة 504