كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)

صفحة رقم 506
ودل على شدة الاهتامام بذلك بسوقه مساف ق الاستفهام في قوله : ( ايكم ) أي أيها العباد ) أحسن عملاً ( على أنه فعل هذه الأفعال الهائلة لأجل هذه الأمور التي هم لها مستهينون وبها مستهزئون ، وعلق فعل البلوى عن جملة الاستفهام لما فيه من معنى العلم لأنه طريق إليه ، روى البخاري في التفسير عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الل عليه وسلم قال : قال الله عز وجل : أنفق أنفق عليك ، ( صلى الله عليه وسلم )
1548 ; وقال : ( يد الله ملأى لا تغيضها نفقة ، سحاء الليل والنهار ، وقال : أرأيتم ما أنفق مذ خلق السماء والأرض فإنه لم يغض ما في يده ، وكان عرشه على الماء ، .
ويده الميزان يخفض ويرفع ( وفي الآية حث على محاسن الأعمال والترقي دائماص في مراتب الكمال من العلم الذي هو عمل القلب والعمل الظاهر الذي هو وظيفة الأركان .
ولما ثبت - بيده الخلق الذي هم به معترفون - القدرة على إعادته ، وثبت بالابتلاء أنه لا تتم الحكمة في خلق المكلفين إلا باعادتهم ليجازي كلاًّ من المحسن والمسيء بفعلاه وأنهم ما خلقوا إلا لذلك .
عجب من إنكارهم له وأكده لذلك فقالك ) ولئن قلت ( اي لهؤلاء الذين ما خلقت هذا الخلق العظيم غلا لابتلائهم ) إنكم مبعوثون ) أي موجودون ، بعثكم قطعاً لا بد منه .
ولما كان زمن البعث بعض الزمن قال : ( من بعد الموت ( الذي هو في غاية الابتداء ) ليقولن ( أكده دلالة على العلم بالعواقب علماً من أعلام النبوة ) الذين كفروا إن ( اي ما ) هذا ( اي القول بالبعث ) إلا سحر مبين ) أي شيء مثل السحر تخييل باطل لا حقيقة له أو خداع يصرف الناس عن الانهماك في اللذات للدخول ي طاعة الأمر .
ولما كان ما تقدم عنهم من الأفعال ومضى من الأقوال مظنة لمعاجلتهم بالأخذ ، وكان الواقع أنه تعالى يعاملهم بالإمهال فضلاً منه وكرماً ، حكى مقالتهم في مقابلة رحمته لهم فقال : ( ولئن أخرنا ( اي بما لنا من العظمة التي لا يفوتها شيء ) عنهم ( اي الكفار ) العذاب ( اي المتوعد به ) إلى أمة ( اي مدة من الزمان ليس فيها كدر ) معدودة ) أي محصورة الأيام أي قصيرة معلومة عندنا حتى تعد الأنفاس ) ليقولن ( على سبيل التكرار ) ما يحبسه ) أي العذاب عن الوقوع استعجلاً له تكذيباً واستهزاء ، وهو تهديد لهم بأنه آتيهم عن قريب فليعتدوا لذلك .
ولما كان العاقل لا ينبغي أن يسأل عن مثل ذلك إلا بعد قدرته على الدفع ،

الصفحة 506