كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)

صفحة رقم 508
بادر إلى اعتقاد أنها هي الحالة الأصلية له وأنها لا تفارقه أصلاً ولا يشوبها نوع ضرر ولا يخالط صفوها شيء من كدر .
فقال دالاًّ على اتصال زمن الضر بالقول بنزع الخافض من الظرف : ( بعد ضراء ) أي فقر شديد مضر ببدنه ، ولم يسند المس إليه سبحانه كما فعل في انعماء تعليماً للأدب فقال : ( مسته ( اي بما كسبت يداه ) ليقولن ( مع قرب عهده بالضراء خفة وطيشاً ) ذهب السيِّئات ) أي كل ما يسوءني ) عني ( وقوله ) إنه ( الضمير فيه للإنسان ، المعنى أن الإنسان .
فهي كلية مشهورة بمستغرق ، اي أن كل إنسان ) لفرح فخور ( اي خارج عن الحد في فرحه شديد الإفراط في فخره على غيره بكل نعمة تفضل الله عليه بها .
لا يملك ضر نفسه ومنعها من ذلك فلذا اتصل بها قوله مستثنياً من الإنسان المراد به اسم الجنس : ( إلا الذين صبروا ( في وقت الشدائد وزوال النعم رجاء لمولاهم وحسن ظن به بسبب إيمانهم الموجب لتقيدهم بالشرع ) وعملوا الصالحات ( اي من اقوال الشكر وأفعاله عند حلول النعم ، وخلقهم في أحسن تقويم .
وهم أقل من القليل لعظيم جهاده لنفوسهم فيما جبلت عليه من الحظوظ والشهوات وغيرها وشياطينهم .
ولما كان كأنه قيل : فما لهم لم يكونوا كذلك أنتج السياق مدهم فقال : ( أولئك ) أي العالو المراتب ) لهم مغفرة ( إذا وقعت منهم هفوة ) ، اجر كبير ( على صبرهم وشكرهم ؛ والذوق : تناول الشيء بالفم لإدراك الطعم كما أن الشم ملابسة الشيء الأنف لإدراك الرائحة ؛ والنزع : رفع الشيء عن غيره مما ان مشابكاً له كالقلع والقشط ؛ واليأس : القطع بأن الشيء لا يكون ، وهو ضد الرجاء ، ويؤوس : كثير اليأس ، وهو ذك لأنه للجهل بسعة الرحمة الموجبة لقوة الأمل في كل ما يجوز في الحكمة فعله ؛ والنعماء : إنعام يظهر اثره على صاحبه ، كما أن الضراء مضرة تظهر الحال بها ، لأنها أخرجت مخرج الأحوال الظاهرة من حمراء وعوراء مع ما في مفهوما من المبالغة ؛ والسيئة : مايسوء من جهة نفور طبع أو عقل ، ووهي هنا المرض والفقر ونحوه ؛ والفرح : انفتاح القلب بما يلتذ به ؛ وعبارة البغوي : هو لذة في القلب بنيل المشتهى وهو أعظم من ملاذ الحواس ؛ والفخر : التطاول بتعديد المناقب ؛ والصبر : حبس النفس عن المشتهى من المحارم ونحوها ، والصبر على مر الحق يؤدي إلى الفوز في الآخرة مع ما فيه من جمال في الدنيا ؛ والكبير واحد يقصر مقدار غيره عنه ؛ والكثير : جمع يزيد على عدد غيره .
ولما استثنى سلحانه من الجارين مع الطبع الطائشين في الهوى من تحلى برزانة

الصفحة 508