كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)
صفحة رقم 516
أي يفعلون معهم ما يفعل القريب من تولي المصالح والحماية من المصائب ، ومن لم يقدر على الامتناع وهو حي لم يمتنع بعد موته فكأنه قيل : ماذا يفعل بهم ؟ فقيل : ( يضاعف ) أي يفعل يه فعل من يناظر آخر في الزيادة ، وبناه للمفعول لأنالمرجع وجود المضاعفة مطلقاً ) لهم العذاب ( اي لما كانوا يضاعفون المعاصي ؛ ثم علل سبب المضاعفة بأنه خلق لهم سمعاً وبصراً فضيعوهما بتصامّهم عن الحق وتعاميهم عنه ، فكأن لا فرق بينهم وبين فاقدهما فقال : ( ما كانوا ( اي بما لهم من فساد الجبلات ) يستطيعون السمع ( اي يقدرون لما غلب على فطرهم الأولى السليمة بانقيادهم للهوى من التخلق بنقائص الشهوات على أن توجد طاعته لهم فمما كانوا يسمعون ) وما كانوا ( يستطيعون ، الإبصار فما كانوا ) يبصرون ( حتى يعرضوا عن الشهوات فتوجد استطاعتهم للسمع والإبصار ، وهو كناية عن عدم قبولهم للحق وأن شدة إعراضهم عنه وصلت إلى حد صارت فيه توصغ بعد الاستطاعة كما يقول الإنسان لما تشتد كراهته له : هذا مما لا أستطيع أن أسمعه ، وتكون المضاعفة بالكفر والصد ، ونفي الاستطاعة أعرق في العيب وأدل على النقص سواء كان للعين أو للقلب ، هذا إن لم تخرج الآية على الاحتباك ، وإن خرجت عليه استوى الأمران ، وصار نفي الاستطاعة أولاً دالاًّ على نفيها ثانياً ، ونفي الإبصار يدل على نفي السمع أولاً .
ولما ثبت أنهم لا سمع ولا بصر ، ثبت أنهم لا شيء فقال : ( أولئك ( اي البعداء البغضاء ) الذين خسروا أنفسهم ( اي بتضييع الفطرة الأولى التي هي سهولة الانقياد للخير وصعوبة الانقياد للشر ؛ ولما كان العاجزز ربما نفعه من كان يخدمه فيكسبه قوة بعد الضعف ونشاطاً بعد العجز ، نفى ذلك بقوله عائداً إلى نفي النفع ممن عذرهم أولاً على أحسن وجه : ( وضل عنهم ما كانوا ) أي كوناً جبلوا عليه فصاروا لا ينفكون عنه ) يفترون ) أي يتعمدون كذبه مما ادعوا كونهم آلهة ، ولا شك أن من خسر نفسه ومن خسرها من أجله بادعاء أنه شريك لخالقه ونحو ذلك كان أخسر الناس ، فلذلك قال : ( لا جرم ( اي لا شك ) أنهم ) أي هؤلاء الذي بالغلوا في إنكار الآخرة ) في الآخرة ( ولما كان المقام جديراً بالمبالغة في وصفهم بالخسارة ، أعاد الضمير فقال : ( هم ) أي خاصة ) الأخسرون ) أي الأكثرون خسراناً من كل من يمكن وصفه بالخسران ؛ والإعجاز : الامتناع من المراد بما لا يمكن معه إيقاعه ؛ والمضاعفة : الزيادة على المقدار بمثله أو أكثر ؛ والاستطاعة : قوة ينطاع بها الجوارح للفعل ؛ وأما ( لا جرم ) فقد اضطرب علماء العربية في تفسيرها ، قالالرضي في شرح الحاجبية والبرهان السفاقسي في إعرابه