كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)

صفحة رقم 519
مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ) 73
( ) 71
ولما توعد الكافرين وأخبر عن مآلهم بسببه ، كان موضع ان يسال عن حال المؤمنين فقال : ( إن الذين آمنوا ) أي أوجدوا هذه الحقيقة ) وعملوا الصالحات ( ولما كان الحاصل ما مضى من وصف الكافرين بعد مطلق الأعمال السيئة الإعراض عن ربهم والنفرة عن المحسن غليهم جلافة وغلظة ، وصف المؤمنين بالإقبال عليه والطمأنينة إليه فقال : ( وأخبتوا ( أس خشعوا متوجهين منقطعين ) إلى ربهم ) أي المحسن إليهم فشكروه فوفقهم لاستطاعة السمع والبصر .
ولما ذكر وصفهم ذكر جزاءهم عليه بقوله : ( أولئك ( اي العالو الرتبة ) أصحاب الجنة ( ولما كانوا مختصين بها أول أو بالخلود من أول الأمر ، أعاد الضمير فقال : ( هم فيها ( اي خاصة لا في غيرها ) خالدون ( .
ولما استوفى أوصاف الحزبين وجزائهم ، ضرب ببكل مثلاً بقوله : ( مثل الفريقين ( اي الكافرين والمؤمنين ، وهو من باب اللف والنشر المرتب ، فإن الكافر ذكر فيما قبل أولاً ) كالأعمى ) أي العام العمى في بصره وبصيرته ) والأصم ( في سمعه كذلك ، فهذا للكافرين ) والبصير ( بعينه وقلبه ) والسميع ( على أتم أحوالهما ، وهذا للمؤمنين ، وفي أفراد المثل طباق أيضاً ) هل يستويان ) أي الفريقان ) مثلاً ) أي من جهة المثل .
ولما كان الجواب قطعاًلمن له أدنى تأمل : لا يستويان مثلاً فلا يستويان ممثولاً ، حسن تسبب الإنكار عنه في قوه : ( أفلا تتذكرون ( اي يحصل لكم أدنى تذكر بما اشار إليه الإدغام فتعلموا صدق ما وصفوا به بما ترونه من أحوالهم ، وذلك ما قدم في حق الكفار من قوله : ( ما كانوا يستطيعون السمع ( الآية ؛ والإخبات : الخشوع المستمر على استواء فيه ، وأصله الاستواء من الخبت ، وهو الأرص المستوية الواسعة ، ولعله وصله بإلى في موضع اللام إشارة إلى الإخلاص أي إخباتاً ينتهي غلى ربهم من غير أن يحجب عنه ؛ والمثل قول سائر يشبه فيه حال الثاني بحال الأول ، والأمثال لا تغير عن صورتها .
ولما تم ذلك على أوضح المسالك ، وختم بالحث على التذكر ، وكان تقديم ذكر كتاب موسى محركاً لتوقع ذكر نبئه ونبأ غيره من الرسل ، عطف - مقروناً بحرف التوقع على العامل الذي قدرته في قوله : ( ألا تعبدوا إلا الله ( أو على قوله : ( إنما أنت نذير ( وهو أحسن وأقرب - قوله : ( ولقد أرسلنا ( اي بما لنا من العظمة ) نوحاً إلى قومه ) أي الذين هم على لسانه ؛ وما بعد ذلك من القصص تقريراً لمضمون هذا المثل وتثبيتاً وتسلية وتأييداً وتعزية لهذا النبي الكريم لئلا يضيق صدره بشيء مما أمر بإبلاغه حرصاً

الصفحة 519