كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)
صفحة رقم 522
بقوله : ( فقال ) أي فتسبب عن هذا لنصح العظيم أن قال ؛ ولما كان هذا بعد أن تبعه بعضهم قال : ( الملأ ( وبين الجدال مع الضلال بعد أن بين أنهم هم الأشراف زيادة في التسلية بقوله : ( الذين كفروا ( وبين أنهم اقارب أعزة بقوله : ( من قومه ( اي الذين هم في غاية القوة لما يريدون محاولة القيام به ) ما نراك ) أي شيئاً من الأشياء ) إلا بشراً ( اي آدمياً ) مثلنا ( اي في مطلق البشرية ، لست بملك تصلح لما لا تصلح له من الرسالة ، وهذا قول البراهمة ، وهو منع نبوة البشر على الإطلاق ، وهو قول من يحسد على فضل الله ويعمى عن جلي حكمته فيمنع أن يكون النبي بشراً ويجعل الإله حجراً .
ولما كانت العظمة عندهم منحصرة في عظمة الأتباع قالزا : ( وما نراك ( ولما انفوا الرؤية عنه فتشوف السامع إلى ما يقع عليه من المعاني ، بينوا أن مرادهم رؤية من اتبعه فقالوا : ( اتبعك ) أي تكلف اتباعك ) إلا الذين هم ) أي خاصة ) اراذلنا ) أي كالحائك ونحوه ، وليس منا رذل غيرهم ، وهو جمع أرذل كأكلب جمع رذل ككلب ، والرذل : الخسيسي الدنيء ، وهذا ينتج أنه لم يتبعك أحد له قدر ؛ قالوا : و ) اتبعك ( عامل في قوله : ( بادى الرأي ( وهو ظرف اي اتبعوك بديهة نم غير تأمل ، فاتباعهم لا يدل على سداد لما اتبعوه من وجهين : رذالتهم في أنفسهمك ، وأنهم لم يفكروا فيه ، لكن يضعفه إيراد الاتباع بصيغة الافتعال التي تدل على علاج ومجاذبة ، فالأحسن إسناده - كما قالواه أيضاً - إلى أراذل .
أي أنهم بحيث لا يتوقف ناظرهم عند أول وقوع بصره عليهم أنهم سفلة أسقاط ، ويجوز أن يكون المراد ( بادى رايك ) أي أنك تظن أنهم اتبعوك ، ولم يتبعوك .
ولما كانوا لا يعظون إلا بالتوسع في الدنيا ، قالوا : ( وما نرى لكم ( اي لك لومن تبعك ) علينا ( وأغرقوا في النفي بقولهم : ( من فضل ) أي شرف ولا مال ، وهذا - مع مامضى من قولهم - قول من يعرف الحق بالرجال ولا يعرف الرجال بالحق ، وذلك أنه يستدل على كون الشيء حقاً بعظمته في الدنيا ، وعلى كونه باطلاً بحقارته فيها ، ومجموع قولهم يدل على أنهم يريدون : لو صح كون النبوة في البشر لكانت في واحد ممن أقروا له بالعلو في الأرض ، وعمل ) اتبعك ( في ) بادي ( يمنعه تمادي الاتباع على الإيمان ، فانتفى الطعن بعدم التأمل ) بل نظنكم كاذبين ) أي لكم هذا الوصف لازماً دائماً لأنكم لم تتصفوا بما جعلناه مظنة الاتباع مما يوجب العظمة في القلوب والانقياد للنفوس بالتقدم في الدنيا بالمال والجاه ؛ فكان داؤهم بطر الحق وغمط الناس ، وهو احتقارهم ، وهذا قد سرى إلى أكثر أهل الإسلام ، فصاروا لا