كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)
صفحة رقم 524
أن أفعالهم أفعال من كراهته لها ثابتة مستحكمة ، وكأنه لم يكن مأموراً بالقتال كما كان نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) في أول الأمر ، والآية ناظرة إلى قوله تعالى :
77 ( ) أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ( ) 7
[ يونس : 99 ] ويجوز أن يكون ذلك كناية عن أنهم معاندون مع قطع النظر عن الجهاد وغيره فإن الأنبياء عليهم السلام مأمرون بالمجادلة للمعاندين غلى أن يلزموهم الحجة ، وهي لا تفيد إلا الإلزام في ا لظاهر مع الإنكار والكراهة في الباطن ، والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة للكاملين ، وبالموعظة والخطابة للمنافقين الذي لا يعاندون ويحسنون الظن في الداعي ، فيكون المعنى أن البينة لم تنفعكم لشكاسة وإعوجاج في طباعكم ، فلم يبق غلا الموعظة وهي لا تفيد إلا مع حسن الظن ، وأما مع الكراهة فلا ينفعكم النصح ، فلا فائدة في المجادلة إلا الإلزام ، وهو مع الكراهة غير نافع لكم .
ولما كان نفي ذلك عاماً للفضل الدنيوي ، وكان الاتصاف بقلة ما في اليد إنما يكون ضاراً إذا كان صاحبه يسأل غيره ، نفى عنه هذا اللازم العائب فقال مجيباً عن نفيهم الفضل عنه وعن أتباعه بأنه قد يرد منهم على ذلك ثواباً دنيوياً : ( وياقوم ( استعطافاً لهم ) لا أسئلكم ) أي في وقت من الأوقات ) عليه ) أي الإنذار كما يأخذ منكم من ينذركم أمر من يريد منكم نم ينذركم أمر من يريد بكم بعض ما تكرهون في أمور دنياكم حتى تكون عاقبة ذلك أن تتهموني ) مالاً إن ) أي ما ) أجري إلا على الله ) أي الذي له الجلال والإكرام فبيده الخزائن كلها ، ونبه بهذا على أنه لا غرض له من عرض دنيوي ينفر المدعو عنه فوجب تصديقه ، وفيه تلقين للجواب عن قول قريش : لولا ألقي إليه كنز - كما سيأتي بابين من ذلك عقب قصة يوسف عليه السلام في قوله : ( وما تسئلهم عليه من أجر ( لأن هذه القصص كالشيء الواحد متتابعة في بيان حقية هذا القرآن والتأسية في الاقتداء بالرسل في الصبر على أداء جميع الرسالة مع ما يلزم من جليل العبر وبديع الحكم ، فلما اتحد الغرض منها مع تواليها اتحدت متفرقاتها .
ولما كان التعبير برذالة المتبع مما ينفر أهل الدنيا عن ذلك التابع ، بين لهم أن شأنه غير شانهم وأنه رقيق على من آمن به رفيق به رحيم له وإن كان متأخراً في الدنيا محروماً منها خوفاً من الله الذي اتبعوه فيه فقال : ( وما أنا ( وأغرق في النفي بقوله : ( بطارد الذين آمنوا ( اي أقروا بالسنتهم بالإيمان ؛ ثم علل ذلك بقوله مؤكداً لإنكارهم ) إنهم ملاقوا ربهم ) أي المحسن إليهم بعد إيجادهم وترتيبهم لهدايتهم ، فلو طردتهم لشكوني إليه فلا ارى لكم لكم وجهاً في الإشارة إلى طردهم ولا في شيء مما أجبتموني به ) ولكني أراكم ( اي أعلمكم علماً هو كالرؤية ) قوماً تجهلون ( اي تفعلون افعال أهل الجهل فتكذبون الصادق وتعيرون المؤمنين بما لا يعنيهم وتنسون لقاء الله وتوقعون