كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)

صفحة رقم 526
كائناً من كان وإن ازدروه بقوله : ( ولا أقول للذين ) أي لأجل الذين ) تزدري ) أي تحتقر ) أعينكم ) أي تقصرون به عن الفضل عند نظركم له وتعيبونه ) لن يؤتيهم الله ) أي الذي له الكمال كله ) خيراً ( ولماكان كأنه قيل : ما لك لا نقول ذلك ؟ أجاب بما تقديره : لأني أعلم ضمائرهم ولا أحكم إلا على الظاهر : ( الله ) أي المحيط بكل شيء ) أعلم ( اي حتى منهم ) بما في أنفسهم ( ومن المعلوم أنه لا يظلم أحداً ، فمن كان في نفسه خير جازاه عليه ، ويجوز أن يكون هذا راجعاً إلى ) بادي الرأي ( بالنسبة إليه ( صلى الله عليه وسلم ) كما تقدم ؛ ثم علل كفه عن ذلك بقوله مؤكداً لإنكارهم ظلمه على ذلك التقدير : ( إني إذاً ) أي إذا قلت لهم ذلك ) لمن الظالمين ( اي العريقين في وضع الشيء في غير موضعه ؛ والخزائنك أخبية لالمتاع الفاخرة ، وخزائن الله مقدوراته لأنه يوجد منها ما يشاء ، وفي وصفها بذلك بلاغة ؛ والغيب : ذهاب الشيء عن الإدراك ، ومنه الشاهد خلاف الغائب ، وإذا قيل : علم غيب ، كان معناه : علم من غير تعليم ؛ والازدراء : الاحتقار ، وهو افتعال من الزراية ، زريت عليه - إذا عبته ، وأزريت عليه - إذا قصرت به ؛ والملك أصله مألك من الألوكة وهي الرسالة .
فلما استوفى نقض ما أبرموه في زعمهم من جوابهم على غاية الإنصاف واللين والاستعطاف ، استأنف الحكاية عنهم بقوله : ( قالوا ( اي قوله من لم يجد في رده شبهة يبديها ولا مدفعاً يغير به : ( يا نوح قد جادلتنا ) أي اردت فتلنا وصرفنا عن آرائنا بالحجاج وأردنا صرفك عن رأيك بمثل ذلك ) فأكثرت ( اي فتسبب عن ذلك وعن تضجرنا أنك أكثرت ) جدالنا ) أي كلامنا على صورة الجدال ) فأتنا ) أي فتسبب عن ذلك وعن تضجرنا أن نقول لك : لم يصح عندنا دعواك ، ائتنا ) بما تعدنا ( من العذاب ) إن كنت ( اي ككوناً هو جبلة لك ) من الصادقين ) أي العريقين في الصدق في أنه يأتينا فصرحوا بالعناد لامبعد من الإنصاف والاتصاف بالسداد وسموه باسمه ولم يسمحوا بأن يقولوا له : يا ابن عمنا ، مرة واحدة كما كرر لهم : يا قوم ، فكان المعنى أنا غير قابلين لشيء مما تقول وإن أكثرت وأطلت - بغير حجة منهم بل عناداً وكبراً فلا تتعب ، بل قصر الأمر مما تتوعدنا به ، وسموه وعداً سخرية به ، اي أن هذا الذي جعلته وعيداً هو عندنا وعد حسن سار باعتبار أنا نحب حلوله ، المعنى أنك لست قادراً عل ذلك ولا أنت صادق فيه ، فإن كان حقاً فانبئنا به ، فكأنه قيل : ماذا قال لهم ؟ فقيل : ( قال ( جرياً على سنن قوله ) ولا اقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ( : ( إنما يأتيكم به الله ) أي الذي له الإحاطة بكل شيء فتبرأ من الحول والقوة ورد ذلك إلى من هو له ، وأشار بقوله : ( أن شاء ( إلى أنه مخير في إيقاعه وإن كان قد تقدم قوله به إرشاداً إلى

الصفحة 526