كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)
صفحة رقم 532
) لغفور ) أي بالغ الستر للزلات والهفوات ) رحيم ) أي بالغ الإكرام لم يريد ، فركبوها واستمروا سائرين فيها يقولون : بسم الله ) وهي ) أي والحال أنها ) تجري بهم ( .
ولما كان الماء مهيئاً للإغراق ، فكان السير على ظهره من الخوارق ، وأشار إلى ذلك بالظرف فقال : ( في موج ( ونبه على علوه بقوله : ( كالجبال ( اي في عظمه وتراكمه وارتفاعه ، فالجملة حال من فركبوها ، المقدر لأنه لظهوره في قوة الملفوظ ، وكان هذه الحال مع أن استدامة الركوب ركوب إشارة إلى شرعة امتلاء الأرض من الماء وصيرورته فيها أمثال الجبال عقب ركوبهم السفينة من غير كبير تراخ ، قالوا : وكان أول ما ركب معه الذرة ، وآخر ما ركب معه الحمار ، وتعلق إبليس بذنبه فلم يستطيع الدخول حتى قال له نوح عليه السلام : ادخل ولو كان الشيطان معك - كذا قالوا ، وقيل : إنه منع الحية والعقرب وقال : إنكما شبب الضر ، فقالا : احملنا ولك أن لا نضر أحداً ذكرك ، فمن قال
77 ( ) سلام على نوح في العالمين إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين ( ) 7
[ الصافات : 79 - 80 ] لم تضراه .
ولما كان ابتداء الحال في تفجر الأرض كلها عيوناً وانهمار السماء انهماراً - مرشداً إلى أن الحال سيصير إلى ما أخبر الله به من كون الموج كالجبال لا ينجي منه إلا السب الذي اقامه سبحانه ، تلا ذلك بأمر ابن نوح فقال عاطفاً على قوله ) وقال اركبوا ( ) ونادى نوح ابنه ) أي كنعان وهو لصلبه - نقله الرماني عن ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك ) وكان ) أي الابن ) في معزل ) أي عن أبيه في مكانه وفي دينه لأنه كان كافراً ، وين أن ذلك المعزل كان على بعض البعد بقوله : ( يا بني ( صغَّره تحنناً وتعطفاً ) اركب ( كائناً ) معنا ) أي في السفينة لتكون من الناجين ) ولا تكن ) أي بوجه من الوجوه ) مع الكافرين ) أي في دين ولا مكان إشارة إلى أن حرص الرسل عليهم السلام وشفقتهم - وإن كانت مع رؤية الآيات العظام والأمور الهائلة - ليست سباً للين القلوب وخضوع النفوس ما لم يأذن الله ، انظر إلى استعطاف نوح عليه السلام بقوله ) يابني ( مذكراً له بالنبوة مع تصغير التحنن والتراؤف وفظاظة الابن مع عدم سماحه بأن يقول : يا أبت ، ولم يلن مع ما رأى من الآيات العظام ولا تناهى لشيء منها عن تقحم الجهل بدلاً من العلم وتعسف الشبهة بدلاً من الحجة .
ولما كان الحال حال دهش واختلال .
كان السامع جديراً بأن لا يصبر بل يبادر إلى السؤال فيقول : فما قال ؟ فقيل : ( قال ( قول من ليس له عقل تبعاً لمراد الله ) سآوي إلى جبل يعصمني ) أي بعلوه ) من الماء ) أي فلا أغرق ) قال ) أي نوح عليه السلام ) لا عاصم ) أي لا مانع نم جبل ولا غير موجود ) اليوم ) أي لأحد ) من أمر الله (