كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)

صفحة رقم 536
ولما تسبب عن هذا الجواب أن ترك السؤال كان أولى ، ذكر أمراً كلياً يندرج فيه فقال : ( فلا تسألن ) أي بنو ع من أنواع السؤال ) ما ليس لك به علم ( فلا تعلم أصواب السؤال فيه أم لا ، لأن اللائق بأمثالك من أولى القرب بناء أمورهم على التحقيق وانتظار الإعلام منا ، انظر إلى قول موسى عليه السلام في حديث الشفاعة في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( وإني قد قتلت نفساً لم أومر بقتلها ( .
ومن المعلوم أن تلك النفس كانت كافرة من آل فرعون ) إني أعظك ( بمواعظي كراهية ) أن تكون ) أي كوناً تتخلق به ) من الجاهلين ) أي في عداد الذين يعملون بالظن لأنهم لا سبيل لهم إلى الوقوف على حقائق الأمور من قبلنا فتسأل مثل ما يسألون .
ولما انجلى للسامع ما هو فيه ( صلى الله عليه وسلم ) من علو المقام وعظيم الشأن الموجب للعقاب على كثير من الصواب فتشوف للجواب ، استأنف بقوله : ( قال ) أي مبادراً على ما يقتضيه له من كمال الصفات ) رب ) أي أبيها المحسن إليّ ، وأكد دلالة للسامعين على عظيم رغبته فقال : ( إني أعود بك أن ) أي من أن ) اسألك ) أي في شيء من الأشياء ) ما ليس لي به علم ( تأدباً بإذنك واتعاظاً بموعظتك وارتقاء لما رقيتني إليه من علو الدرجة ورفيع المنزلة ) وإلا تغفر لي ) أي الآن وفي المستقبل ) وترحمني ) أي تستر زلاتي وتمحها وتكرمني ) أكن من الخاسرين ) أي العريقين في الخسارة فكانه قيل : ماذا أجيب عن ذلك ؟ فقيل : ( قيل ( بالبناء للمفعول دلالة على العظمة والجلال الذي تكون الأمور العظيمة لأجله بأدنى إشارة ) يا نوح أهبط ) أي من السفينة ) بسلام ) أي عظيم ) منا ) أي ومن سلمنا عليه فلا هلك يلحقه ) وبركات ) أي خيرات نامية عظيمة صالحة ) عليك ) أي خاصة بك ) وعلى أمم ( ناشئة ) ممن معك ( لكونهم على ما يرضينا ولا نمتعهم بالدنيا إلا قليلاً ، ولهم إذا رجعوا إلينا نعيم مقيم ، وقد دخل ي هذا الكلام كل مؤمن مؤمنة إلى يوم القيامة ) وأمم ) أي منهم ) سنمتعهم ( في الدني بالسعة في الرزق والخفض في العيش على وفق علمنا وإرادتنا ولا بركات عليهم منا ولا سلام ، فالآية من الاحتباك : ذكر البركات والسلام أولاً دليلاً على نفيهما ثانياً ، والمتاع ثانياً ، دليلاً على حذفه أولاً ) ثم يمسهم منا ) أي في الدارين أو في الآخرة أو فيهما ) عذاب أليم ( لجريهم على غير هدينا وجرأتهم على ما يسخطنا ، ويجوز أن يكون ) وأمم ( مبتدأ من غير تقدير صفة محذوفة ، فيكون المسوغ للابتداء كون المقام مقام التفضيل ؛

الصفحة 536