كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)
صفحة رقم 541
أوضح من الشمس ، قال تعالى منبهاً على ذلك : ( تلك ) أي هذه الأنباء البديعة الشأن الغريبة الأمر البعيدة عن طوق المعارض ، العلية الرتب عن يد المتناول ) من أنباء الغيب ( اي أخباره العظيمة ، ثم أشار إلى انه لا يزال يجدد له امثالها بالمضارع في قوله : ( نوحيها إليك ( فكأنه قيل : إن بعض أهل الكتاب يعلم بعض تفاصيلها ، فأشار غلى ان ذلك مجموعة غيب وبما يعلمونه غيب نسبي بقوله : ( ما كنت تعلمها ) أي على هذا التفصيل ) أنت ( ولما كان خفاءها عن قومه دليلاً على خفائها عنه لأنه لم يخالط غيرهم قال : ( ولا قومك ( اي وإن كانوا أهل قوة في القيام على ما يحاولونه وعدداً كثيراً ، ومنهم من يكتب ويخالط العلماء .
ولما كان زمان خفاء ذلك عنهم - وإن كان عاماً لهم - بعض الزمان الماضي ، أدخل الجار فقالك ) من قبل هذا ( اي من إيحائي إليك حتى يطرق الوهم حينئذ أنك تعلمتها من أحد منهم وإن كان يعلم كثيراً منها أهل الكتاب كما رأيت عن نص التوراة فبان أن لا عرض لقومك إلا العناد ) فاصبر ( على ذلك ولا تفتر عن الإنذار فستكون لك العاقبة كما كانت لنوح لأجل تقواه ) إن العاقبة ) أي آخر الأمر من الفوز والنصر والسعادة ) للمتقين ) أي العريقين في مخافة الله في ل زمنن وقد تضمنت القصة البيان عما يوجبه حال أهل الخير والإيمان وأهل الشر والطغيان من الاعتبار بالنبأ عن الفريقين ليجتبي حال هؤلاء ويتقي حال أولئك لسوء العاقبة في الدنيا والآخرة .
ولما تم من ذلك ما هو كفيل بغرض السورة ، وختم بأن العاقبة دائماً للمتقين ، أتبع بالدليل على ذلك من قصص الأنبياء مع الوفاء بما سيقت له قصة نوح - على جميعهم السلام - من الحث على المجاهرة بالإنذار فقال تعالى : ( وإلى ) أي ولقد ارسلنا غلى ) عاد أخاهم ( وبينه فقال : ( هوداً ( ولما تقدم أمر نوح مع قومه ، استشرف السامع غلى معرفة ما قال هود عليه السلام هل هو مثل قوله أو لا ؟ فاستأنف الجواب بقوله : ( قال يا قوم ( الذين هم أعز الناس لدي ) اعبدوا الله ) أي ذا الجلال والإكرام وحده ؛ ثم صرح وعلل فقال : ( ما لكم ( وأغرق في النفي فقال : ( من إله ) أي معبود بحق ) غيره ( فدعا إلى أصل الدين كما هو دأب سائر النبين والمرسلين ؛ ثم ختم ذلك بمواجهتهم بما يسوءهم من الحق وما ثناه عن ذلك رجاء ولا خوف فقال : ( إن ) أي ما ) أنتم إلا مفترون ) أي نتعمدون الكذب على الله في إشراككم به سبحانه لأن ما على التوحيد من أدلة العقل غير خاف على عاقل فكيف مع تنبيه النقل وذلك مكذب لمن اشرك ، أي فاحذروا عقوبة المفتري ؛ ثم نفى ان يكون له في ذلك غرض غير نصحهم بقوله موضع ) إني ناصح لكم بهذا الأمر فلا يسوءكم مواجهتي لكم فيه بما تكرهون (