كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)
صفحة رقم 545
) أبلغتكم ما ) أي كل شيء ) أرسلت ) أي تقدم إرسالي من عند من لا مرسل في الحقيقة غيره ) به إليكم ( كاملاً لم أدع منه شيئاً رجاء لإقبالكم ولا خوفاً من إعراضكم ، فأبيتم غلا التكذيب لي والاستكبار عما جئت به ، فالذي أرسلني ينتقم منكم فيهلككم ) ويستخلف ربي ( اي يوجد المحسن غليّ بإقامتي يما يرضيه ) قوماً غيركم ( يخلفونكم في دياركم وأوالكم ، فتكونون أعداءه ، ويكون المستخلفون متعرضين لأن يكونوا أولياء مع كونهم ذوي بأس وقوة فيختص الضرر بكم ) ولا تضرونه ) أي الله بإعراضكم ) شيئاص ( ثم علل وعيده لهم بقوله مؤكداً لأن العاصي فاعل بعصيانه فعل من يظن أن الله غافل عنه : ( إن ربي ) أي المحسن غليّ المدبر لمصالحي .
ولما كان الأهم في هذا السياق بيان استعلائه وقدرته ، قدم قوله : ( على كل شيء ( صغيراً أو كبيراً جليل أو حقير ) حفيظ ) أي عالم بكل شيء وقادر على كل شيء وبالغ الحفظ له ، فيعلم ما يعمل محفوظه فيجازيه بما يستحق من نعمه ونقمه ، فهو تعليل لاستخلاف غيرهم وتنزهه عن لحوق ضرر ، لأن الحفظ : الحراسة ، ويلزمها العلم والقدرة ، فمن القدرة حافظ العين ، أي لا يغلبه نوم ، والحفيظة - اللحمية والغضب ، ومنهما معاً المحافظة - للمواظبة على الشيء ؛ والتوالي عن الشيء : الذهاب إلى غير جهته إعارضاً عنه ؛ والإبلاغ : إلحاق الشيء نهايته ؛ ولالستخلاف : جعل الثاني بدلاً من الأول يقوم مقامه ؛ والضر : إيجاب الألم بفعله أو التسبب له .
ولما تم ذلك كان كأنه قيل : فلم يرجعوا لوم يرهووا لبينة ولا رغبة ولا رهبة فأنزلنا بهم أمرنا ) ولما جاء أمرنا ) أي وقت إرادتنا لإهلاك عاد ) نجينا ) أي تنجية عظيمة بما لنا من العظمة ) هوداً والذين آمنوا ( كائنين ) معه ( في الإيمان ووالنجاة من قومهم فلم يقدروا أن يصلوا إليهم بسوء مع اجتهادهم في ذلك وإعجابهم بقواهم زيقال : إن الذين آمنوا كانوا أربعة آلاف .
ولما كان سبحانه بحيث لا يجب عليه لأحد شيء لأنه لا يقدر أحد أن يقدره حق وإن اجتهد في طاعته ، فإن طاعته نعمة منه عليه ، أشار إلى ذلك بقوله : ( برحمة منا ( تحيقيقاً لتوكل عبدناً ؛ ولما بين إنجاءهم من قومهم بين إنجاءهم مما أهلكهم به فقال مكرراً ذكر التنجية دلالة على أن عذابهم كان في غاية الفظاعة : ( ونجيناهم ) أي بما لنا من العظمة ، وبين فظاعة ما أهلك به أعداءهم بقوله : ( من عذاب غليظ ) أي أهلكنا به مخالفيهم وهو الريح الصرصر ، وهذا أولى من حمله على عذاب الآخرة لما يأتي من قوله ) ومن خزي يومئذ ( كأنهم كانوا إذا رأوا مخايل العذاب قصدوا نبيهم ومن آمن به ليهلكوهم قبلهم كما صرح به في قصة صالح ؛ والنجاة : السلامة من الهلاك ؛ وحقيقة الغلظة عظم الجثة ، فاستعير للعذاب لثقله على النفس وطول مكثه .