كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)
صفحة رقم 546
ولما تمت قصتهم على هذا الوجه لابديع والأسلوب المطرب ، قال تعالى عاطفاً على قوله ) تلك من أنباء الغيب ( : ( وتلك عاد ) أي قصة القوم البعداء البغضاء ، ما كنت تعلمها على هذا التفصيل أنت ولا قومك ولا أهل الكتاب ، وإنما نفيت عن أهل الكتاب لأنهم لا يعلمون إلا ما له أصل " ن أنبيائهم ، وهذه وقصة ثمود ليستا في التوراة ولا شيء من أسفار أنبيائهم ، وسألت بعض علمائهم فلم أجد عنده شيئاً من علمها ولا حرفاً واحداً ولا سمع بعاد ولا هود ، وتلخيص قصتهم أنهم ) جحدوا ) أي كذبوا عناداً واستهانة ) بآيات ربهم ( المحسن إليهم ) وعصوا رسله ( فإن من عصى واحداً منهم فقد عصى الكل لاتفاقهم على أمر واحد مع التساوي في مطلق المعجزة ) واتبعوا ) أي بغاية جهدهم ) أمر كل جبار ( ي قاهر بليغ القهر يجبر غيره على ما يريد ، وهذا يدل على أنه لا عذر في أصل الدين بوجه فإن الضمائر لا يعلمها إلاالله فيمكن كل أحد مخالفة الجبار فيه ) عنيد ) أي طاغ باغ لا يقبل الحق بوجه ، فأهلكوا ولم يمنعهم تجبرهم ولا أغنى عنهم عنادهم وتكبرهم ) وأًتبعوا ( جميعاً بعد إهلاكهم بأيسر وجه لعظيم قدرة المتبع ) في هذه الدنيا ( حقرها في هذها لعبارة بما أشارت غليه الإشارة مع التصغير ، وبمادل على الدنو وبأن من اغتر بها فهو ممن وقف مع الشاهد لما له من الجمود ) لعنة ) أي طرداً وبعداً وإهلاكاً ) ويوم القيامة ) أي كذلك بل اشد ، فكأنه قيل : أفما لمصيبتهم من تلاف ؟ فقيل : لا ، ) ألا ( مفتتحاً للإخبار عنهم بهذه الأداة التي لا تذكر إلا بين يدي كلام يعظم موقعه ويجل خطبه ، والتأكيد في الإخبار بكفرهم تحقيق لحالهم ، وفيه من أدلة النبوة وأعلام الرسالة الرد على أغناهم بأن قالوا : إنهم من المقربين إلى الله وإ ، هم بعين الرضى منه ، فالله المسؤول في الإدالة عليهم وشفاء الصدور منهم ، وهم أتبع ابن عربي الكافر العنيد أخهل الاتحاد ، المجاهرون بعظيم الإلحاد ، المستخفون برب العباد ، بل عداه إعظاماً لطغيانهم فقال : ( ربهم ) أي غطوا جميع أنوار الظاهر الذي لا يصح أصلاً خفاءه لأنه لا نعمة على مخلوق غلا منه ، فكان كفرهم أغلظ الكفر ، ومع ذلك فلم ينثن هود عليه السلام عن إبلاغهم جميع ما أمر به ولا ترك شيئاً مما أوحي إليه فلك به أسوة حسنة وفيهم قدوة ، ومن كفر من أحسن إليه بعد بعداً لا قرب معه .
ولما كان الأمر عظيماً والخطب جليلاً ، كرر الأداة التي تقال عند الأمور الجليلة فقال : ( الا بعداً لعاد ( هو من بعد - بكسر العين إذا كان بعده بالهلاكن وبينهم بقوله : ( قوم هود ( تحقيقاً لهم لأنهم عادان : الأوى والآخرة ، وإيماء إلى أن استحقاقهم