كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)

صفحة رقم 550
بلادكم برعي يوم إلى غير ذلك مماأنتم له مبصرون وبه عارفون ) فذروها ( اي اتركوها على أيّ حالة كان ترككم لها ) تأكل ( اي مما أرادت ) في ارض الله ) أي الملك الذي له الأمر كله التي خلقها منها ) ولا تمسوها بسوء ( والأكل : مضغ يقع عند بلع ؛ والمس مطلق الإصابة ويكون بين الحيوان وغيره ، واللمس أخص منه لما فيه من الإدراك ) فيأخذكم ) أي فيتسبب عن ذلك أن يأخذكم ) عذاب قريب ) أي من زمن إصابتكم لها بالسوء ؛ ثم اشار إلى قرب مخالفتهم لأمره فيها بقوله مسبباً عن أوامره ونواهيه ومعقباً : ( فعقروها ) أي الناقة ) فقال ) أي عند بلوغه الخبر ) تمتعوا ( اي أنتم تعيشون ) في داركم ) أي داركم هذه ، وهي بلدة الحجر ) ثلاثة ايام ) أي بغير زيادة عليها ، فانظروا ماذا يغني عنكم تلذذكم وترفهكم وإن اجتهدتم فيه .
ولماكان كأنه قيل : هل في هذا الوعيد مثنوية ، قال مجيباً : ( ذلك ( اي الوعد العالي الرتبة في الصدق والغضب ) وعد غير مكذوب ) أي فيه ؛ والتمتع : التلذذ بالمدركات الحسان من المناظر والأصوات وغيرها مما يدرك بالحواس ، وسميت البلاد داراً لأنه جامعة لأهلها كما تجمع الدار - ويدار فيها ، وأشار غلى تعقب العذاب للأيام وتسببه عن الوعيد المعين بقوله : ( فلما جاء أمرنا ( بالفاء بخلاف ما في قصة هود وشعيب عليهما السلام ، أي مع مضي الأيام كان أول ما فعالنا أن ) نجينا ( بنا لنا من العظمة أولياءنا ) صالحاً والذين آمنوا معه ( من كيد قومهم ، وبين أن إحسانه سبحانه لا يكون إلا فضلاً منه بقوله : ( برحمة منا ( وذلك أنه عليه السلام قال لهم : تصبحون غداً يوم مؤنس - يعني الخميس - ووجوهكم مصفرة ، ثم تصبحون يوم عروبة - يعني الجمعة - ووجوهكم محمرة ، ثم تصبحون يوم شبار ووجوهكم مسودة ، ثم يصبحكم العذاب يوم أول - أي الأحد - فقال التسعة رهط الذين عقروا الناقة : هلم فلنقتل صالحاً ، فإن كان صادقاً عجلناه قبلنا ، وإن كان كاذباً قد كنا ألحقناه بناقته ، فأتوه ليلاً ليبيتوه في أهله فدمغتهم الملائكة بالحجارة ، فلما أبطروا على أصحابهم أتوا منزل صالح فوجدهم قد رضخوا بالحجارة فقالوا لصالح : والله لا تقتلونه ابداً فقد وعدكم أن العذاب يكون بكم بعد ثلاث ، فإن كان صادقاً لم تزيدوا ربكم عليكم إلا غضاً ، وإن كان كاذباً فأنتم وراء ما تريدون ، فانصرفوا فلما أصبحت وجوههم مصفرة عرفوا أنه قد صدقهم ، فطلبوه ليقتلوه فجاء إلى بطن منهم يقال له ( بنو غنم ) فنزل على سيدهم رجل فغيبه عنده ، فعدوا على أصحاب صالح يعذبونهم ليدلوهم عليه قالوا : يا نبي الله إنهم يعذبوننا لندلهم عليك ، أفندلهم ؟ قال : نعم ، فدلوهم عليه فأتوه فقال الغنمي : نعم عندي ولا سبيل إليه ، فتركوه وشغلهم عنه ما أنزل الله بهم كذا ذكر ذلك البغوي عن ابن اسحاق ووهب وغيرهما مطولاً .

الصفحة 550