كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)
صفحة رقم 551
ولما ذكر نجاتهم من كل هلكة ، ذكر نجاتهم من خصوص ما عذب به قومهم فقالك ) ومن ) أي ونجيناهم من ) خزي ) أي ذل وفضيحة ) يومئذ ( اي يوم إذجاء أمرنا بإهلاكهم بالصيحة وحل بهم دونهم فرقاً بين أوليائنا وأعدائنا ، وحذف ( نجينا ) هنا يدل على أن عذابهم دون عذاب عاد ؛ ثم عقب ذلك بتعليله إهلاكاً وإنجاء باختصاصه بصفات القهر والغلبة والانتقام فقال : ( إن ربك ( اي المحسن إليك كما أحسن إلى الأنبياء من قبلك ) هو ) أي وحده ) القوي ( فهو يغلب كل شيء ) العزيز ( اي القادر على منع غيره من غير أن يقدر احدعليه أو على الامتناع منه ، من عز الشيء اي امتنع ، ومنه العزاز - للأرض الصلبة الممتنعة بذلك عن التصرف فيها ؛ والخزي : العيب الذي تظهر فضيحته ويستحي من مثله ؛ ثم بين إيقاعه بأعدائه بعد إنجائه لأوليائه فقال معظماً للأخذ بتذكير الفعل : ( وأخذ الذين ظلموا الصيحة ( وأشار إلى عظمة هذه الصيحة بإسقاط علامة التأنيث وسبب عنها قوله : ( فأصبحوا في ديارهم جاثمين ( اي ساقطين على وجوههم ، وقيل : جاثين على الركب موتى لا حراك بهمن وتقدم سر التعبير بالديار مع الصيحة والدار مع الرجفة في الأعراف ، وخصت هود بما ذكر فيها لأن مقصودها أعظم نظر إلى التفصيل ، وكل من الديار والصيحة أقرب إلى ذلك .
ولما كان الجثوم كناية عن الموت أوضحه بقوله : ( كأن ) أي كأنهم ) لم يغنوا ) أي يقيموا أغنياء لاهين بالغناء ) فيها ( ثم نبه - على ما استحقوا به ذلك لمن لعله يغفل فيسأل - بقوله مفتتحاً بالأداة التي لا تقال إلا عندالأمور الهائلة : ( ألا إن ثموداً ( قراءة الصرف دالة علىالاستخفاف بهم لطيشهم في المعصية ) كفروا ربهم ) أي أوقعوا التغطية والستر على المحسن غليهم بالخلق والرزق والإرسال وهو الظاهر وبصفاته وأفعاله ، فلا يخفى على أحد أصلاً ، فإيصال الفعل دون قصره كما في أكثر أضرابه بيان لغلظة كفرهم ؛ ثم كرر ذلك تأكيداً له وإعلاماً بتأبيد هلاكهم بقوله : ( ألا بعداً لثمود ( ترك صرفهم في قراءة غير الكسائي إيذاناً بدوام لبثهم في الطرد والبعد ؛ والصيحة : صوت عظيم من فم حي ، والجثوم لدوام مكان واحد أو السقوط على الوجه ، وقيل : القعود على الركب ؛ وقال ) أصبحوا ( زيادة في التخويف والتأسيف بما وقع لهم ن التحسير لو أدركه أحد منهم لأن الإنسان يفرح إذا أصبح بقيامه من نومه مستريحاً قادراً على ما يريد من الحركات للاستمتاع بها بما يشتهي من التصرفات ، فأصبح هؤلاء - بعد هذه الصفة على ما قص الله - خفوتاً أجمعين كنفس واحدة رجالاً ونساء صغاراً وكباراً كأنهم بم يكونوا أصلاً ، ولا أصدروا فصلاً ولا وصلاً كأنهم لم يكونوا للعيون قرة ، ولم يعدوا في الأحياء مرة كأن لم يغنووا أي يقيموا لانقطاع آثارهم إلا ما بقي من أجسادهم الدالة