كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)
صفحة رقم 555
واطمأنوا ، أخذ في قص ما كان بعدهن فقال مشيراً بالفاء إلى قلة زمن اللإنكار الذي هو سبب الفزع : ( فلما ذهب ( بانكشاف الأمر ) عن إبراهيم الروعُ ) أي الخوف والفزع الشديد ) وجآته البشرى ( فامتلأ سروراً ) يجادلنا ) أي أخذ يفعل معنا بمجادلة رسلنا فعل المجادل الذي يكثر كلامه إرادة الفتل مخاطبه عما يقوله ) في قوم لوط ) أي يسألنا في نجاتهم سؤالاً يحرص فيه حرص المجادل في صرف الشيء ، من الجدل وهو الفتل ، ووضع المضارع موضع الماضي إشارة إلى تكرر المجادلة مع تصوير الحال ، أي جادلنا فيهم جدالاً كثيراً ؛ ثم علل مجادلته بقوله : ( إن إبراهيم لحليم ) أي بليغ الحلم ، وهو إمهال صاحب الذنب على ما يقتضيه العقل ) أواه ) أي رجاع للتأوه خوفاً من التصير ) منيب ) أي راجع إلى الله بالسبق في ارتقاء درج القرب ، فهو - لما عنده هذه المحاسن - لا يزال يتوقع الإقلاع من العصاة .
ولما كان أكثر المجادلة لما عنده من الشفقة على عباد الله لما له بعد طول المجادلة منادين بالأداة التي هي أم الباب إعلاماً بأن ما بعدها عظيم الشأن عالي المنزلة : ( يا إبراهيم أعرض ( اي بكليتك ) عن هذا ) أي السؤال في نجاتهم ؛ ثم علل ذلك بقوله مؤكداً لأنه بمجادلته في حيز من ينكر بتّ الأمر : ( إنه قد ( افتتحه بحرف التوقع لأنه موضعه ) جآء أمر ربك ) أي الذي عوك بإحسانه الجم ، فلولا أنه حتم الأمر بعذابهم لأمهلهم لأجلك ، ولذا عطف على العة قوله مؤكداً إعلاماً بأنه أمر قد انبرم ومضى : ( وإنهم آتيهم ) أي إتياناً ثابتاً ) عذاب غير مردود ( اي بوجه من الوجوه من أحد كائناً من كان ؛ الإعراض : الانصراف ، وحقيقة الذهاب عن الشيء في جهة العرض ؛ والرد : إذهاب الشيء غلى ما جاء منه كالرجع ؛ والدفع اعم لأنه قد يكون إلى جهة القدام ؛ فلما علم مراد الله فيهم ، قدمه على مراده ولم ينطق بعده ببنت شفة .
ذكر هذه القصة من التوراة : قال في السفر الأول : واستعلن الله لإبراهيم في مرج - وفي نسخة : بين بلوط ممرى الأموراني - وكان جالساً على باب خيمته إذ اشتد النهار ، فرفع عينيه فنظر فإذا هو بثلاثة رجال وقوف على رأسه ، فلما رآهم أحضر إليهم من باب الخيمة وسجد على الأرض وقالك يا رب - وفي نسخة : يا ولي الله - إن كان لي عندك مودة فلا تبعد عن عبدك حتى آتي بما أغسل به أرجلكم ، واتكئوا تحت الشجرة وأصيبوا شيئاً من الطعام تقرون به أنفسكم ، ثم حينئذٍ تجوزون لأنكم مررتم بعبدكم بغتة فقالوا له : اصنع كما قلت ، فاستعجل إبراهيم فأحضر إلى الخيمة إلى سارة وقال : عجلي بثلاثة آصع من درمك - وفي نسخة : دقيق سميد - فاعجنيه واخبزي منه مليلاً ،