كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)

صفحة رقم 558
والعذراء : نجم إذا طلع اشتد الحر فاتسع بساط الأرض ، والعذرة - بفتح ثم كسر : فناء الدار ، وبه سمي الحدث ، والعذراء : شيء من حديد يعذب به الإنسان ، كأنه سمي لأنه يوسع بها ، وأما عذر - بالتشديد - إذا قصر فهو للسلب ، أي فعل ما لا يوجد له عذر ، وكذا تعذر الأمر أي صعب ، يعني أنه تحنّب العذر فلم يبق لسهولته وجه ، وأعذر - إذا كثرت عيوبه ، أي دخل فيما يطلب له العذر كأنجد .
ولما ذكر حاله ، ذكر قاله بقوله : ( وقال ( اي لوط ) هذا ) أي اليوم ) يوم عصيب ) أي شديد جداً لما أعلم من جهالة مَن أنا بين ظهرانيهم ، وهو مشتق من العصب وهو أطناب المفاصل وروابطها ، ومدراه على الشدة ) وجاءه قومه ) أي الذين فيهم قوة المحاولة ) يهرعون ) أي كأنهم يحملهم على ذلك حامل لا يستطيعون دفعه ) إليه ( اي في غاية الإسراع فعل الطامع الخائف فوت ما يطلبه ، فهو يضطرب لذلك ، أو لأجل الرعب من لوط عليه السلام أو من الملائكة عليهم السلام .
ولما كان وجدانهم - فكيف عصيانهم - لم يستغرق زمن القبل ، أدخل الجار فقال : ( ومن قبل ( اي قبل هذا المجيء ) كانوا ) أي جبلة وطبعاً ) يعملون ) أي مع الاستمرار ) السيئات ( اي الفواحش التي تسوء غاية المساءة فضربوا بها ومرنوا عليها حتى زال عندهم استقباحها ، فهو يعرف ما يريدون ، وكأنهم كانوا لا يدعون مليحاً ولا غيره من الغرباء ، فلذلك لم يذكر أن الرسل عليهم السلام كانوا على هيئة المرد الحسان ، ولا قيد الذكران في قصتهم في موضع من المواضع بالمرودية .
فكأنه قيل : فما قال لهم ؟ فقيل : ( قال يا قوم ( مستعطفاً لهم ) هؤلاء بناتي ( حادياً لهم إلى الحياء والكرم .
ولما كان كأنه قيل : ما نفعل بهن ؟ قال : ( هن ( ولما كان في مقام المدافعة باللين ، قال إرخاء للعنان في تسليم طهارة ما يفعلونه على زعمهم مشيراً بلطافة إلى خبث ما يريدونه : ( أطهر لكم ( وليس المراد من هذا حقيقته ، بل تنبيه القوم على أنهم لا يصلون غليهم إلا إن وصلوا إلى بناته لأن الخزي فيهما على حد سواء أو في الضيف أعظم ، وزمثل هذا أن يشفع الإنسان فيمن يضرب ، فإذا عظم الأمر ألقى نفسه عليه فصورته أنه فعله ليقيه الضرب بنفسه ، ومعناه احترامه باحترامه ، وعلى هذا يدل قوله في الآية الأخرى ) إن كنتم فاعلين ( وهنا قوله : ( فاتقوا الله ) أي الملك الأعظم في هذا الأمر الذي تريدونه ) ولا تخزون ) أي توقعوا بي الفضيحة التي فيها الذل والهوان والعار ) في ضيفي ( إذ لا يشك ذو مسكة من أمره في أن التقوى إذا حصلت منعت من الأمرين ، وأن الخزي على تقدير عدمها في البنات أعظم لأنه عار لازم للزوم البنات

الصفحة 558