كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)

صفحة رقم 559
للأب ، وكل هذا دليل على أنه لا يشك أنهم آدميون ولم يلم بخاطر أنهم ملائكة ، فهو تنبيه للكفار على أنه لا ينتفع بإنزال الملائكة إلا البار الراشد التابع للحق ؛ ثم أنكر أشد الإنكار حالهم في أنهم لا يكون منهم رشبد حثاً على الإقلاع عن الغي ولزوم سبيل الرشد فقال : ( أليس منكم رجل ( اي كامل الرجولية ) رشيد ( كامل الرشد ليكفكم عن هذا القبيح ، فلم يكن منهم ذلك ، بل ) قالوا لقد علمت ) أي يا لوط مجرين الكلام على حقيقته غير معرجين على ما كني به عنه ) ما لنا في بناتك ( وأغرقوا في ا لنفي فقالوا : ( من حق ) أي حاجة ثابتة ، ولم يريدوا به ضد الباطل لأن البنات والضيف في نفي حقهم عنهم سواء ، وأكدوا معلمين بما لهم من الرغبة في الفجور وقاحة وجرأة فقالوا : ( وإنك لتعلم ( إي علماً لا تشك فيه ) ما نريد ( وهو إتيان الذكور للتطرق والتطرف ، فحملوا عرضه لبناته على الحقيقة خبثاً منهم وشرعوا يبنون على ذلك بوقاحة وعدم مبالاة بالعظائم ، فأخبر تعالى عن قوله لهم على طريق الاستئناف بقوله : ( قال ( اي متمنياً أن يكون له بهم طاقة ليروا ما يصنع من الإيقاع بهم متفجعاً على فوات ذلك ) لو أن لي بكم ) أي في دفعكم ) قوة ( بنفسي ) أو ( لو أني ) آوي ( من الأعوان والأنصار ) إلى ركن شديد ) أي جماعة هم كالركن الموصوف بالشدة لحلت بينكم وبين ما جئتم له ، وحذفه ابلغ لذهاب النفس فيه كل مذهب ؛ والسوء : ما يظهر مكروه لصاحبه ؛ والعصيب : الشديد في الشر خاصة كأنه التف شره ؛ والقوة خاصة يمكن أن يقع بها الفعل أن لا يقع ؛ والركن : معتمد البناء بعد الأساس ، واركن هنا من هو مثله ؛ والشدة : مجمع يصعب معه الإمكان ، ووصفه الركن بالشدة وهو يتضمنها تأكيد يدل على أن قومه كانوا في غاية القوة والجلاة ، وأنه كان يود معاجلتهم لو قد .
وذلك أن كادة ( ركن ) بكل ترتيب تدور على الرزانة ، من ركن - بالضم بمعنى رزن ، ويلزمهما القوة ، ومنه الركن للجانب الأقوى والأمر العظيم وما يتقوى به من ملك وجند وغيره والعز والمنعة ، ومن ذلك النكر بالضم للدهاء والفطنة ، والنكر للمنكر والأمر الشديد وما يخرج من الزخير من دم أو قيح ، نكر الأمر : صعب وطريق ينكور : على غير قصد ، والمنكر ضد المعروف لأن الشيء إذا جهل صعب أمره ، وتناكر القوم : تعادوا ، والتنكر : الغير من حال يسر إلى حال يكره ، والمكنر - كمحدث : الضخم السمج ، ويلزم الرزانة أيضاً الميل والسكون ، ومنه ركن إليه - بالفتح : مال وسكن ، وركن بالمنزل - بالكسر : أقام ؛ والكنارة - بالكسر والتشديد : الشقة من ثياب الكتان ، لأنه يمال إليه لبهجته ، وكذا الكنارات للعيدان والطبول ، والكران ككتاب للعود أو الصنج ، أو يكون ذلك من الشدة لقوة أصواتها - والله أعلم .

الصفحة 559