كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)

صفحة رقم 566
المستجمع لصفات الكمال ، وبركته في أموالكم وجميع أحوالكم وإبقائه عليكم نظره إليكم الموجب لعفوه الذي هو ثمرة اتباع أمره ) خير لكم ( مما تظنونه زيادة بالنقص والظلم ، وذلك أن بقية الشيء ما فضل منه ، وتكون أيضاً بمعنى البقيا ، من أبقى عليه يبقي إبقاء ، واستبقيت فلاناً - إذا عفوت عن ذنبه ، كأن ذلك الذنب أوجب فناء وده أو فناه عندك ، فإذا استبقيته فقد تركت ما كان وجب ، ويقولون : أراك تبقي هذا ببصرط - إذا كان ينظر إليه - قاله الإمام أبو عبد الله القزاز في ديوانه الجامع ، وسيأتي في آخر السورة بيان ما تدور عليه المادة .
ولما كلانت خيرية ما يبقيه العدل من الظهور بمحل لا يخفى على ذي لب ، تركها وبين شرطها بقوله : ( إن كنتم ) أي جبلة زطبعاً ) مؤمنين ) أي راسخين في الإيمان إشارة إلى أن خيرتها لغير المؤمن مبينة على غير اساس ، فهي غير مجدية إلا في الدنيا ، فهي عدم لسرعة الزوال والنزوح عنها والارتحال ، ودلت الواو العاطفة على غير مذكور أن المعنى : فآمنوا فاعلين ما أمرتكم به لتظفروا بالخير فإنما أنا نذير ) وما أنا ( وقدم ما يتوهموننه من قصده للاستعلاء نافياً له فقال : ( عليكم ( وأعرق في النفي فقال : ( بحفيظ ( أعلم جميع أعمالكم وأحوالكم وأقدر على كفكم عما يكون منها فساداً ؛ وأصل البقية ترك شيء من شيء قد مضى .
ولما كان الحاصل ما دعاهم إليه ترك ما كان عليه آباؤهم من السفه في حق الخالق بالشرك والخلائق بالخيانة ، وكان ذلك الترك عندهم قطيعة وسفهاً ، كن ذلك محكاً للعقول ومجزاً للآراء يعرف به نافذها من جامدها ، فكان كأنه قيل : ما قالوا ؟ فقيل : ( قالوا يا شعيب ( سموه باسمه جفاء وغلظة وانكروا عليه مستهزئين بصلاته ) اصلاتك تأمرك ) أي تفعل معك فعل من كان يأمر دائماً بتكليفنا ) أن تنرك ما يعبد ) أي على سبيل المواظبة ) آباؤنا أو ( نترك ) أن نفعل ) أي دائماً ) في أموالنا ما نشاء ( من قطع الدهم والدينار وإفساد المعاملة والمقامرة ونحوها مما يكون إفساداً للمال ، يعنون أن ما تأمرناا به لا يمشي عل منهاج العقل ، فما يأمرك به إلا ما نواك تفعله من هذا الشيء الذي تسميه صلاة ، أي أنه من وداي : فعلك للصلاة ؛ ومادة صلا - واوية ويائية مهموزة وغير مهموزة بجميع تقاليبها - تدور على الوصلة ، فالصلاة لصلة العبد بربه ، وكذا الدعاء والاستغفار ، وصلوات اليهود : كنائسهم اللاتي تجمعهم ، والصلا : وسط الظهر ومجمعه وما حول الذني أيضاً ، والمصلى من الخيل : التابع للسباق ، وصال الفحل - إذا حمل على العنة ، ولصوت الرجل واَصَيته : عبته ، كأنك ألصقت به العيب ، والواصلة واضحة في ذلك ، وكأنها الحقيقة التي تفرعت منها جميع معاني المادة ، وسيأتي شرح ذلك عند

الصفحة 566