كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)
صفحة رقم 569
فقال : ( وما قوم لوط ) أي على قبح أعمالهم وسوء حالهم وقوة أخذهم ووبالهم ) منكم ببعيد ) أي لا في الزمان ولا في المكان فأنتم أجد الناس بذكر حالهم للاتعاظ بها ، وإنما فسرت جرم بحمل لأن ابن القطاع نقل أنه يقال : جرمت الرجل : حملته على الشيء ، وقد عزا الرماني تفسيرها بذلك للحسن وقتادة ، ويجوز أن تفسر بما تدور عليه المادة من القطع ، أي لا يقطعنكم شقاقي عن اتباع ما أدعوكم إليه خوف أن يصيبكم ، وقد جوزه الرماني .
ولما رهبهم ، أتبعه الترغيب في سياق مؤذن بأنهم إن لم يبادروا إلى المتاب بادرهم العذاب ، بقوله عاطفاً لهذا الأمر على ذلك النهي المتقدم : ( واستغفروا ربكم ) أي اطلبوا ستر المحسن إليكم ، ونبه على مقدار التوبة بأداة التراخي فقال : ( ثم توبوا إليه ( ثم علل ذلك مرغباً في الاقبال عليه بقوله : ( إن ربي ) أي المختص لي بما ترون من الإحسان ديناً ودنيا ) رحيم ودود ) أي بليغ الإكرام لمن يرجع إليه بأن يحفظه على ما يرضاه بليغ التحبب إليه ، ولم يبدأه بالاستعطاف على عادته بقوله : يا قوم ، إشارة إلى أنه لم يبق لي وقت آمن فيه وقوع العذاب حتى اشتغل فيه بالاستعطاف ، فربما كان الأمر أعجل من ذلك فاطلبوا مغفرته بأن بأن تجعلوها غرضكم ثم توصلوا إليها بالتوبة ؛ فثم على بابها في الترتيب ، وأما التراخي فباعتبار عظم مقدار التوبة وعلو رتتها لأن الغفران لا يحصل بالطلب إلا إن اقتران بها ، هذا الشأن في كل كبيرة في جنس الطاعات يقابله تكرر المعاصي فلا تقوى الطاعة على محوها وتكرر الطاعات يقابله تكرر المعاصي بالإصرار الذي هو بمنزلة تكرير المعصية في كل حال ، فلما رأوه لا ينزع عنهم ولم يقدروا لكلامه على جواب ، ايأسوه من اللرجوع غليه بأن أنزلوا أنفسهم عناداً في الفهم لهذا الكلام الواضح جداً إلى عداد البهائم ، وهددوه فأخبر تعالى عنهم بذلك استئنافاً في جواب من يقول : ما قالوا بعد هذا الدعاء الحس ؟ بقوله : ( قالوا يا شعيب ( منادين له باسمه جفاء وغلظة ) ما نفقه ) أي الآن لأن ( ما ) تخص بالحال ) كثيراً مما تقول ( وإذا لم يفهم الكثير من الكلام لم يفهم مقصوده ، يعنون : خفض عليك واترك كلامك فإنا لا نفهمه تهاوناً به كما يقول الإنسان لخصمه إذا نسبه إل الهذيان : أنا لا أدري ما تقول ، ولما كان غرضهم مع العناد قطع الأمر ، خصوا عدم الفهم بالكثير ليكون أقرب إلى ألإمكان ، وكأنهم - والله أعلم أشاروا إلى أنه كلام غير منتظم فلا حاصل له ولا لمضمونه وجود في الخارج .
ولما كان في ذلك إشارة إلى أنه ضعيف العقل لأن كلامة مثل كلام المجانين ،