كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)

صفحة رقم 575
في قوله : ( نقصه عليك ( إلى أنا كما قصصناها عليك في هذا الحا للمقصد المتقدم سنقصها عليك لغير ذلك منالأغراض في فنون البلاغة وتصاريف الحكم كما سترى عند قصه ؛ ثم اشار - بما اخبر من حلها بقوله : ( منها ) أي القرى ) قائم وحصيد ( إلى أنك مثل ما سمعت ما قصصنا عليك من أمرها بأذنك ووعيته بقلبك تحسها بعينك بمشاهدة ابنيتها وآثارها ومستحصدة ، اي متهدمة لم يبق من بنيانها إلا بعض جدرانها .
ولما كان فيما تقدم في هذه السورة من القصص أشد تهديد وأعظم وعيد لمن له تبصرة ، صرح الأكباد بأن الموجب للايقاع بهم إنما هو الظلم ، فقال تعالى عاطفاً على نحو أن يقال : فعلنا بهم وأنبأناك به : ( وما ظلمناهم ( في شي منه ) ولكن ظلموا أنفسهم ( واعتمدوا على أدادهم معرضين هن جنابنا آمنين من عذابنا فأخذناهم ) فما ( اي فتسبب عن اعتمادهم على غيرنا أنه ما ) أغنت عنهم ( اي بوجه من الوجوه ) آلهتهم التي ( وصور حالهم الماضية فقال : ( يدعون ) أي دعواها واستمروا على دعائهم لها إلى حين الأخذ ، وين خسة رتبتها فقال : ( من دون الله ) أي الذي له جميع صفات الكمال ؛ وذكر مفعول ( اغنت ) معرقاً في النفي فقال : ( من شيء ) أي وإن قل ) لما جاء أمر ) أي عذاب ) ربك ) أي المحسن إليك بتأخير العذاب المستأصل عن أمتك وجعلك نبي الرحمة ) وما زادوهم ( في أحوالهم التي كانت لهم قبل عبادتهم إياها ) غير تتبيب ( إي إهلاك وتخسير ، فإنهم كانوا في عداد من يرجى فلاحه ، فلما تورطوا في عبادتها ونشبوا في غوايتها وبعدوا عن الاستقامة بضلالتها خسروا أنفسهم التي هي رأس المال فكي لهم بعد بالأرباح ؛ والقص : إتباع الأثر ، فهو هنا الإخبار بالأمور التي يتلو بعضها بعضاً ؛ والدعاء : طلب الطالب الفعل من غيرهن ونداء الإخبار باسمه بحرف النداء ، وكلا الأمرين مرادان ؛ و ) من دون الله ( : من منزلة أدنى نم منزلة عبادة الله لأنه من الأدون ، وهو الأقرب إلى جهة السفل ؛ والتب : الهلك والخسر .
ولما كان المقصود من ذلك رمي قلوب العرب بما فيه من سهام التهديد ليقلعوا عما تمكنوا فيه من عمى التقليد ، قال تعالى معلماً بأن الذي أوقع بأولئك لظلمهم وه و لكل ظالم بالمرصاد سواء ظلم نفسه أو غيره : ( وكذلك ) أي ومثل ذلك الأخذ العظيم ) أخذ ربك ( ذكّره بوصف الإحسان ما له إليه من البر لئلا يخاف على قومه من مثل هذا الأخذ ) إذ أخذ القرى ) أي أهلها وإن كانوا غير من تقدم الإخبار عنهم وإن عظموا وكثروا ، ولكن الإخبار عنها أهول لأنه يفهم أنه ربما يعمها الهلاك لأجلهم بشدة الغضب من فعلهم كقرى قوم لوط عليه السلام ) وهي ظالمة ( روى البخاري في التفسير عن أبي

الصفحة 575