كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)

صفحة رقم 586
ولما نهي عن الإفراط في الدين ، أتبعه النهي عن التفريط بالتقصي فيه بسفول الهمم على وجه عام ، وكان الحب في الله والبغض منه أوثق عرى الإيمان ، إشارة إلى ضده الذي هو أوثق عرى الشيطان فقال : ( ولا تركنوا ) أي شيئاً من ركون ، وقال : ( إلى الذين ظلموا ) أي وجد منهم الظلم ولم يقل الظالمين ، أي بالميل إليهم بأن تثاقل أنفسكم نحوهم للميل إلى أعمالهم ولو بالرضى به والتشبه بهم والتزنيّي بزيهم ، وحاصل الآيتين : لا تظلموا بأنفسكم ولا تستحسنوا أفعال الظالمين ، وفسر الزمخشري الركون بالميل اليسير ، وهو حسن من جهة المعنى لكني لن اره لغيره من أهل اللغةن وقال الرماني - وهو أقرب : الركون : السكون إلى الشيء بالمحبة والانصباب إليه ، ونقيضه النفور عنه ، وهو على التفسير الثاني في ) تطغوا ( من عطف الخاص على العام ، والآية ملتفتة إلى قوله تعالى ) فلعلك تارك بعض ما يُوحى إليك ( ) فتمسكم النار ) أي فتسبب عن ركونكم إليهم مسُّه الكم فلا تقدروا على التخلص منها بنوع حيلة من أنفسكم ؛ ومن إجلال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إفراده بالخطاب في الأمر بأفعال الخير ، والإتيان بضمير الجمع في النهي عن أفعال الشر - نبه على ذلك الإمام أبو حيان .
ولما كان كل موجود سوى الله في قهره وتحت أمره ، قال تعالى : ( وما لكم ( ولما كان دون رتبته تعالى من الرتب والذوات ما لا يحصيه غيره سبحانه ، أدخل الجار تبعيضاً فقال : ( من دون الله ) أي الملك لأعظم ، وأعرق في النفي فقال : ( من أولياء ) أي يخلصونكم من عذابه لما تقرر أن ) دون ( من الأدون وهو الأقرب إلى جهة السفل ؛ والوي : المختص بأن من شأنه تولي المعونة عند الحاجة ، وأشار إلى أن نصر مَنْ لا ناصر له من الله محال بأداة البعد وبناء للمفعول فقال : ( ثم لا تنصرون ( اي ثم إذاً فإنكم هذا وذاك فما أبعدكم من النصرة ولما كان العلم حاصلاً بما سبق من الحكم من أن الآدمي محل العجز والتقصير ، أتبع ذلك بأعلى مكفر لما يوجبه العجز ويقضي به الفتور والوهن من الصغائر وأعمه وأجلبه للاستقامة ، وذلك يدل على أنها بعد الإيمان افضل العبادات ، فقال تعالى : ( وأقم الصلاة ) أي اعملها على استواء ) طرفي النهار ( بالصبح والعصر كما كان مفروضاً بمكة في أول الأمر قبل الإسراء ، ويمكن أن يراد مع ذلك الظهر لأنها من الطرف الثاني ) وزُلفاً ) أي طوائف ودرجا وأوقات ، جمع زلفة ) من الّليل ( يمكن أن يكون المراد به التهجد ، فقد كان مفروضاً في أول الإسلام ، ويمكن أن يراد المغرب والعشاء مع الوتر أو التهجد ؛ ثم علل ذلك بقوله : ( إن الحسنات ) أي الطاعات كلها الصلاة وغيرها المبنية على أساس الإيمان ) يذهبن السيئات ) أي الصغائر ، وأما الكبائر

الصفحة 586