كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)

صفحة رقم 587
التي يعبر عنها بالفواحش ونحوه فقد تقدم في قصة شعيب عليه السلام عند قوله ) ثم توبوا إليه ( أنه لا يكفرها إلا التوبة لما فيها من الإشعار بالتهاون بالدين ، واجتنابها لا يكفر إلا إذا كان عن نية صالحة كما أفهمه صيغة الافتعال من قوله
77 ( ) إن تجتنبوا ( ) 7
[ النساء : 30 ] ؛ روى البخاري في التفسير عن ابن مسعود رضي الله عنه أم رجلاً أصاب من امرأة قبلة ، فأتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر له ذلك فأنزل الله عليه ) أقم الصلاة طرفي النهار ( - الآية ، قال ارجل : ألي هذه ؟ قال : ( لمن عمل بها من أمتي ) وهذا الحديث يؤيد قول ابن عباس رضي الله عنهما : إن هذه الآية من هذه السورة المكية المدنية .
ولما تم هذا على هذا الوجه الأعلى والترتيب الأولى ، قال تعالى مادحاً له ليعرف مقداره فيلزم : ( ذلك ( اي الأمر العالي الرتبة الذي تقدم من الترغيب والترهيب والتسلية وتعليم الداء والدواء للخلاص من الشقاء ) ذكرى ) أي ذكر عظيم ) للذاكرين ) أي لمن فيه أهلية الذكر والانتباه به بحضوزر القب وصفاء الفكر ونقفوذ الفهم .
ولما كن الصبر لله على المكاره أعلى الطاعة ، أتبع ذلك قوله : ( واصبر ) أي ليكن منك صبر على الطاعات وعن المعاصي ولا تترك إنذارهم بما أمرت به مهما كان ولا تخفهم ، فإن العاقبة لك إذا فعلت ؛ ولما كان المقام الصبر صعباً والاستقامة على المحمود منه خاصة خطراً ، وكانت النفس - لما لها من الجزع في كثير من الأحوال - كالمنكرة ، أكدَّ قوله : ( فإن ( الصبر هو الإحسان كل الإحسان وإن ) الله ) أي المحيط بصفات الكمال ) لا يضيع ) أي بوجه من الوجوه ) أجر المحسنين ) أي العريقين في وصف الإحسان بحيث إنهم يعبدون الهكأنهم يرونه ، فلذلك يهون عليهم الصبر ، ولذلك لأن الطاعة كلفة فلا تكون إلا بالصبر ، وكل ما عداها فهو هوى النفس لا صبر فيه ، فلادين كله صبر ( حفت الجنة بالمكاره والنار بالشهوات ) ولذا فضل ثواب الصابر
77 ( ) إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ( ) 7
[ الزمر : 10 ] والصبر المحمود : حبس النفس عن الخروج إلى ما لا يجوز من ترك الحق ، ونقيضه الجزع ، قال الشاعر :
إن تصبر فالصبر خير مغبةً وإن تجزعا فالأمر ما تريان

الصفحة 587