كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 3)
ويقال: إنّ الجاهل مولع بحلاوة العاجل، غير مبال بالعواقب، ولا معتبر بالمواعظ، ليس يعجبه إلا ما ضرّه، إن أصاب فعلى غير قصد، وإن أخطأ فهو الذى لا يحسن به غيره، لا يستوحش من الإساءة، ولا يفرح بالإحسان.
وقالوا: ستّ خصال تعرف في الجاهل، الغضب من غير شىء، والكلام في غير نفع، والفطنة في غير موضع، ولا يعرف صديقه من عدوّه، وإفشاء السرّ، والثّقة بكلّ أحد.
وقالوا: غضب الجاهل في قوله، وغضب العاقل في فعله، والعاقل إذا تكلّم بكلمة أتبعها مثلا، والأحمق إذا تكلم بكلمة أتبعها خلفا، الأحمق إذا حدّث ذهل، وإذا تكلم عجل، وإذا حمل على القبيح فعل.
وقال أبو يوسف: إثبات الحجة على الجاهل سهل، ولكن إقراره بها صعب.
وقال وهب بن منبّه: كان يقال للأحمق إذا تكلّم: فضحه حمقه، وإذا سكت فضحه عيّه، وإذا عمل أفسد، وإذا ترك أضاع، لا علمه يعينه، ولا علم غيره ينفعه، تودّ أمّه أنها ثكلته، وتتمنى امرأته أنها عدمته، ويتمنى جاره منه الوحدة، وتأخذ جليسه منه الوحشة.
ويستدلّ على الأحمق بأشياء، قالوا: من طالت قامته، وصغرت هامته، وانسدلت لحيته، كان حقيقا على من يراه أن يقرئه عن عقله السلام.
ويقال في التوراة: اللحية مخرجها من الدّماغ، فمن أفرط عليه طولها قلّ دماغه، ومن قلّ دماغه قلّ عقله، ومن قلّ عقله فهو أحمق.
وقالت أعرابيّة لقاض قضى عليها: صغر رأسك، فبعد فهمك، وانسدلت لحيتك، فتكوسج عقلك، وما رأيت ميتا يقضى بين حيين غيرك.
الصفحة 356
395