كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 3)

رمتنى بنو عجل بداء أبيهم ... وهل أحد في الناس أحمق من عجل؟
أليس أبوهم عار «1» عين جواده؟ ... فسارت به الأمثال في الناس بالجهل!
ويضربون المثل في الحمق بهبنّقة القيسىّ، وهو يزيد بن ثروان، ويكنى أبا نافع، حكى أنه شرد له بعير، فقال: من جاء به فله بعيران، فقيل له: أتجعل في بعير بعيرين؟ فقال: إنكم لا تعرفون فرحة الوجدان.
وقد رضى قوم بالجهل فقالوا: ضعف العقل أمان من الغمّ؛ وقالوا: ما سرّ عاقل قطّ؛ قال أبو الطيّب المتنبى
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله ... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
وقال حكيم: ثمرة الدنيا السرور، ولا سرور للعقلاء؛ وقال المغيرة بن شعبة:
ما العيش إلّا في إلقاء الحشمة. وقال بكر بن المعتمر: إذا كان العقل سبعة أجزاء احتاج الى جزء من جهل ليقدم على الأمور، فإنّ العاقل أبدا متوان مترقبّ متوقّف متخوّف؛ قال النابغة الجعدىّ
ولا خير في حلم إذا لم تكن له ... بوادر تحمى صفوه أن يكدّرا
وقال آخر
من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيّبات الفاتك اللهج
أخذه آخر فقال
من راقب الناس مات غمّا ... وفاز باللذّة الجسور
وقالوا: الجاهل ينال أغراضه، ويظفر بأرائه، ويطيع قلبه، ويجرى في عنان هواه، وهو برىء من اللوم، سليم من العيب، مغفور الزّلّات.

الصفحة 358