كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 3)
وقالوا: الجاهل رخىّ الذرع، خالى البال، عازب الهمّ، حسن الظن، لا يخطر خوف الموت بفكره، ولا يجرى ألم الإشفاق على ذكره.
وقالوا: الجهل مطيّة المراح والمسرة، ومسرح المزاح والفكاهة، وحليف الهوى والتصابى، وصاحبه في ذمام من عهدة اللوم والعتب، وأمان من قوارص الذمّ والسبّ؛ قال بعض الشعراء
ورأيت الهموم في صحّة العقل ... فداويتها بإمراض عقلى
وقالوا: لو لم يكن من فضيلة الجهل، غير الإقدام، وورود الحمام، إذ هما من الشجاعة والبسالة، وسبب تحصيل المهابة والجلالة، لكفاه؛ قال أبو هلال العسكرىّ:
سألنى بعض الأدباء أىّ الشعراء أشدّ حمقا، قلت الذى يقول
أتيه على إنس البلاد وجنّها ... ولو لم أجد خلقا لتهت على نفسى
أتيه فلا أدرى من التّيه من أنا ... سوى ما يقول الناس فيّ وفي جنسى
فإن صدقوا أنى من الإنس مثلهم ... فما فيّ عيب غير أنّى من الإنس
ذكر ما قيل في الكذب
قال الله عزّوجلّ: (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ)
. وقال: (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ)
وقال في الكاذبين: (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) .
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إياكم والكذب فإنّ الكذب يهدى إلى الفجور، والفجور يهدى إلى النّار» . وقال صلّى الله عليه وسلم: «الكذب مجانب
الصفحة 359
395