كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 3)

قال الجاحظ: المذكورون بالكبر من قريش، بنو مخزوم، وبنو أميّة، ومن العرب، بنو جعفر بن كلاب، وبنو زرارة بن عدس، وأما الأكاسرة فكانوا لا يعدّون الناس إلا عبيدا، وأنفسهم إلا أربابا؛ والكبر في الأجناس الذليلة أرسخ، ولكن القلّة والذّلة مانعتان من ظهور كبرهم، ومن قدر من الوضعاء أدبى قدرة، ظهر من كبره ما لا خفاء به، ولم أر ذا كبر قطّ علا من دونه، إلا وهو يذلّ لمن فوقه بمقدار ذلك ووزنه.
قال: أما بنو مخزوم، وبنو أمية، وبنو جعفر بن كلاب، واختصاصهم بالتّيه، فإنهم أبطرهم ما وجدوا لأنفسهم من الفضيلة، ولو كان في قوى عقولهم فضل عن قوى دواعى الحميّة فيهم، لكانوا كبنى هاشم في تواضعهم وإنصافهم من دونهم.
وقال أبو الوليد الأعرابىّ.
ولست بتيّاه إذا كنت مثريا ... ولكنه خلقى إذا كنت معدما
وأن الذى يعطى من المال ثروة ... إذا كان نذل الوالدين تعظّما
ومن المتكبرين، عمارة بن حمزة، حكى عنه: أنه دخل على المهدىّ، فلما استقر به الجلوس، قام رجل كان المهدىّ قد أعدّه له ليتهكّم به، فقال: مظلوم يا أمير المؤمنين، قال: من ظلمك؟ قال: عمارة غصبنى ضيعتى، وذكر ضيعة من أحسن ضياع عمارة وأكثرها خراجا، فقال المهدىّ لعمارة: قم فاجلس مع خصمك، فقال: يا أمير المؤمنين، ما هو لى بخصم، إن كانت الضّيعة له، فلست أنازعه فيها، وإن كانت لى فقد وهبتها له، ولا أقوم من مجلس شرّفنى به أمير المؤمنين، فلما انصرف المجلس، سأل عمارة عن صفة الرجل، وما كان لباسه، وأين كان موضع

الصفحة 373