كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 3)

جلوسه، وكان من تيهه أنه إذا أخطأ يمرّ على خطئه تكبرا عن الرجوع ويقول:
نقض وإبرام في ساعة واحدة، الخطأ أهون منه.
ومنهم من أهلكه الكبر وأذلّه. كان خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد القسرىّ أميرا على العراق، وبلغ من هشام بن عبد الملك محلا رفيعا، فأفسد أمره العجب والكبر، وأدناه إلى الهلكة، وعذّب حتّى مات، وذلك أنه كان إذا ذكر هشام عنده، قال: ابن الحمقاء! فسمعها رجل من أهل الشام، فقال لهشام: إنّ هذا البطر الأشر الكافر لنعمتك ونعمة ابيك وإخوتك، يذكرك بأسوأ الذّكر، قال:
لعله يقول: الأحول، قال: لا، ولكنّه يقول: ما لا تلتقى به الشّفتان، قال: لعله يقول: ابن الحمقاء، فأمسك الشامىّ، فقال هشام قد بلغنى كلّ ذلك عنه؛ وكان خالد يقول: والله ما إمارة العراق مما تشرّفنى، فبلغ ذلك هشاما، فكتب إليه:
بلغنى أنك يابن النصرانية تقول: إن إمارة العراق لا تشرّفك وأنت دعىّ بجيلة القليلة الذليلة، والله إنى لأظن أن أول من يأتيك صيفىّ بن قيس فيشدّ يدك إلى عنقك، قال خالد بن صفوان بن الأهتم: لم تزل أفعال خالد حتى عزله هشام وعذّبه، وقتل ابنه يزيد بن خالد، فرأيت في رجله شريطا قد شدّه به الصّبيان يجرّونه، فدخلت إلى هشام يوما، فحدّثته فأطلت، فتنفّس، وقال: يا خالد! كان أحبّ إلىّ قربا وألذّ عندى حديثا منك، يعنى خالد القسرى، قال: فانتهزتها ورجوت أن أشفع فتكون لى عند خالد يدا، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما يمنعك من استئناف الصّنيعة، فقد أدّبته بما فرط منه، فقال: هيهات! إن خالدا أوجف فأعجف، وأدلّ فأملّ، وأفرط فى الإساءة، فأفرطنا في المكافأة، فحلم الأديم، ونغل الجرح، وبلغ السّيل الزّبى، والحزام الطّبيين، ولم يبق فيه مستصلح، ولا للصّنيعة عنده موضع، عد إلى حديثك.

الصفحة 374