كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 3)

إِنَّ هَؤُلاءِ لا يَعقِلُونَ شَيئًا، إِنَّ خَلِيلِي أَبَا القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - دَعَانِي فَأَجَبتُهُ، فَقَالَ: (أَتَرَى أُحُدًا؟ ) فَنَظَرتُ مَا عَلَيَّ مِنَ الشَّمسِ، وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ يَبعَثُنِي فِي حَاجَةٍ لَهُ، فَقُلتُ: أَرَاهُ، فَقَالَ: (مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي مِثلَهُ ذَهَبًا أُنفِقُهُ كُلَّهُ إِلا ثَلاثَةَ دَنَانِيرَ)، ثُمَّ هَؤُلاءِ يَجمَعُونَ الدُّنيَا ولا يَعقِلُونَ شَيئًا، قَالَ: قُلتُ: مَا لك وَلإِخوَتِكَ قُرَيشٍ لا تَعتَرِيهِم وَتُصِيبُ مِنهُم، قَالَ: لا وَرَبِّكَ! لا أَسأَلُهُم عَن دِينَارٍ وَلا أَستَفتِيهِم عَن دِينٍ حَتَّى أَلحَقَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: بَشِّرِ الكَنَّازِينَ بِكَيٍّ فِي ظُهُورِهِم يَخرُجُ مِن جُنُوبِهِم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
معروف بالمدينة. واستفهامه له عن رؤيته لتحقق رؤيته حتى يُشّبه له به ما أراد بقوله: (ما يسرني أن لي مثله ذهبا).
وقوله: إلا ثلاثة دنانير؛ يعني: دينارًا يرصده لدين؛ أي: يؤخره. ودينارًا لأهله، ودينارًا لإعتاق رقبة، والله أعلم.
وقوله: ثم هؤلاء ظاهر احتجاج أبي ذر بهذا الحديث وشبهه: أن الكنز المتوعَّد عليه هو جمع ما فضل عن الحاجة، وهكذا نقل من مذهبه، وهو من شدائده - رضي الله عنه -، ومما انفرد به. وقد روي عنه خلافُ ذلك، وحمل إنكاره هذا على ما أخذه السلاطين لأنفسهم، وجمعوه لهم من بيت المال وغيره، ولذلك هجرهم، وقال: لا أسألهم دنيا، ولا أستفتيهم عن دين، والله أعلم.
ويعتريهم: يزورهم ويأتيهم بطلب منهم، ومنه قوله تعالى: {وَأَطعِمُوا القَانِعَ وَالمُعتَرَّ} وهو الزائر، يقال منه: أعروته واعتريته؛ أي: أتيته أطلب منه حاجة.
وهذا الحديث يدل على تفضيل الفقر على الغنى، وقد تقدمت المسألة.
والعطاء الذي سئل عنه أبو ذر؛ هو ما يعطاه الرجل من بيت المال على وجهٍ

الصفحة 34