كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 3)
قَالَ: وَكَانَ دَحيَةُ الكَلبِيُّ جَاءَ بِهِ، فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصرَى، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصرَى إِلَى هِرَقلَ، فَقَالَ هِرَقلُ: هَل هَاهُنَا أَحَدٌ مِن قَومِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ قَالَوا: نَعَم، فَدُعِيتُ فِي نَفَرٍ مِن قُرَيشٍ، فَدَخَلنَا عَلَى هِرَقلَ. فَأَجلَسَنَا بَينَ يَدَيهِ. فَقَالَ: أَيُّكُم أَقرَبُ نَسَبًا مِن هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَالَ أَبُو سُفيَانَ: فَقُلتُ: أَنَا، فَأَجلَسُونِي بَينَ يَدَيهِ وَأَجلَسُوا أَصحَابِي خَلفِي، ثُمَّ دَعَا بِتَرجُمَانِهِ فَقَالَ لَهُ: قُل لَهُم: إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَن هذا الرَّجُلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من الأعلام.
و(بُصرى) - بضم الباء-: وهي من مدن الشام، وهي مدينة حوران. و (الترجمان): هو المعبِّر عن القوم. يقال: بضم التاء وفتحها. و (هرقل) - بكسر الهاء، وفتح الراء، وسكون القاف-: وهو اسم لكل ملك للروم، كالنجاشي: اسم لكل ملك للحبشة. وكسرى: اسم لكل ملك للفرس. وقد قدَّمنا هذا في كتاب: الجنائز.
قلت: إذا تأملت هذا الحديث علمت فطنة هذا الرجل، وجوّدة قريحته، وحسن نظره (¬1)، وسياسته، وتثبته. وأنه علم صحة نبوَّة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وصدقه. غير أنه ظهر منه بعد هذا ما يدل: على أنه لم يؤمن، ولم ينتفع بذلك العلم الذي حصل له، فإنه هو الذي جيَّش الجيوش على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقاتلهم، وألّب عليهم، ولم يقصِّر في تجهيز الجيوش عليهم، وإرساله إليهم الجموع العظيمة من الروم وغيرهم الكرَّة بعد الكرَّة، فيهزمهم الله، ويهلكهم، ولا يرجع إليهم منهم إلا فلُّهم (¬2)، واستمر على ذلك إلى أن مات، وقد فتح الله على المسلمين أكثر بلاد الشام، ثم ولي ولده بعده، وعليه فتحت جميع البلاد الشامية، وبهلاكه هلكت المملكة الرومية.
¬__________
(¬1) في (هـ) و (م): فكره.
(¬2) "الفلُّ": القوم المنهزمون.